ماذا تنتظرون بعد كل الذي حصل في فلسطين؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

تتابع الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، وتبدو فيها إسرائيل في موقع المنفّذ لها، بكل ما أوتيت من عنجهيّة وصلافة، مستعملة في عدوانها جميع الوسائل المتاحة لها، وبأساليب أقلّ ما يقال عنها، أنّها بلغت من العنف والوحشية في هذا الزمن، مبلغا لم يسبقه إليها نظام آخر سوى حاميتها أمريكا، الدولة الراعية للإرهاب حقيقة وواقعا، والمدّعية أنها تحاربه في سوريا والعرقا كذبا وزورا وقلبا للحقائق، متناقضا تماما مع ما كانت ملزمة به، وممضية عليه في ميثاق الأمم المتحدة، هذه المنظمة الدولية العاجزة عن فعل شيء، من شأنه أن يساعد شعوب المنطقة المستهدفة وشعوب العالم أيضا، ذلك أن القضية تجاوزت نظريا وعمليا مساحة فلسطين المحتلة، لتتوسع في شهرين فقط إلى ما بعد فلسطين، وهو ما بدأنا نشاهده من خلال احتلال الكيان الصهيوني مناطق من الجولان، وباقي جبل الشيخ ومنبع مائه، واستغلاله وقف اطلاق النار بلبنان، لتتمركز قواته في نقاط داخل الخط الأزرق، بدعوى انّها استراتيجية.
لقد سقطت أقنعة الخداع من وجوه المعتدين، وتبيّن على أرض الواقع بهتان ادّعاءات أمريكا بالحياد، ورعاية المفاوضات ومنها مشروع حلّ الدولتين، وظهرت حقيقة أطماع إسرائيل وتحريض أمريكا عليها، من خلال دعمها اللامحدود، والتغاضي على جرائمها الفظيعة، التي تجاوزت حاجز الإبادة والتطهير العرقي، فأمريكا اليوم هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا بلا فرق بينهما، مكمّلين بعضهما في مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو بالأحرى إسرائيل الكبرى، وهذا ما يجب أن يفهمه جميع شعوب العالم، وأخص المسلمين من بينهم بالذكر دون غيرهم، لأنّ دينهم تنتسب إليه جميع العرقيات بتفاوت نسبها، والمستهدفون الحقيقيون هم المسلمون الملتزمون بدينهم وأحكامه وآدابه،.
أما دعاة القوميات عربية كانت أم غيرها مع أتباعهم، فأولى لهم أن يلتفتوا، إلى أن إسرائيل جيء بها الى المنطقة، من أجل إنهاء الإسلام وحده، فليس عندهم مشكلة مع العرب أو غير العرب، وإيران منذ إنتصار ثورتها وقيام نظامها الإسلامي، وقعت مواجهتها وإعلان الحرب عليها، على جميع المستويات والصّعُدِ، ليس لأنّها دولة فارسية، فقد كان الشاه فارسيا وكان محبوبا ومقدّما عند الأمريكان والصهاينة وذيولهم من العرب على غيره بسبب عمالته، بل لأنها تحمل مشروعا إسلاميا محمّديا حقيقيا، يمثّل خطرا على منظومتهم الغربية، من شأنه أن ينهي حقبة من السيطرة الغربية على العالم المستضعف.
العرب دولا وشعوبا منقسمون فيما بينهم، كملوك الطوائف بالأندلس، منهم من خضعوا لمنطق الغطرسة والقوة الصهيو غربي، ومنهم من نأى بنفسه عن القضية واستحقاقاتها، وآثروا الصمت وعدم الخوض في مسألة طال أمدها، وبعُدَ عنهم سبيل مخرجها، فهي لم تعد تعنيهم في شيء تقريبا، بعدما تنصّلوا من مسؤوليتها، خصوصا وأنّ هؤلاء لا يترددون في موادعة المشروع الغربي، بعدما بلغتهم عبارات التّهديد الأمريكية بتسليط العقوبات الاقتصادية على من لا يستجيب له، فهمّ هؤلاء حبّ الدنيا والنّيل من متاعها - وحبّ الدنيا رأس كل خطيئة - والإستماتة عليها، من أجل الحصول على ما تجود به عليهم المنظومة الغربية من متاع قليل، وإن كان مقابل ذلك تنازلا عن كرامتهم.
الخضوع والإستكانة للمشروع الغربي، دأب عليه العرب شعوبا وحكومات، إلّا ما رحم ربي، وقليل من هؤلاء الذين قالوا لا وخيّروا معارضته، ووقفوا في وجه هذا المشروع الخطير، وهؤلاء القلة اليوم محاربون في كل مكان، حتى في بلدانهم، كمصر والأردن والمغرب والسعودية والإمارات والبحرين وسوريا وشمال لبنان، والتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي جار على قدم وساق، ترعاه أمريكا بقوّة، وتحث أتباعها من العرب عليه وترغّبهم فيه، والمخطط يستهدف نسف مشروع مقاومة هذا العدوّ، ومنعه من إنجاحه، وتحرير الأرض ومقدّساتها، فضلا عن كونها مطلبا شعبيّا نادى به أحرار شعوبنا، فهو أساس هامّ من أساسات قيام إسلام محمّدي، بمقدوره أن يقود العالم بأسره باقتدار، عندما تتوفر أسباب نجاحه وتجاوزه جميع العوائق التي هيّأها اعداؤه في الداخل والخارج على حدّى سواء.
عزاؤنا اليوم، ونحن نرى بأمّ أعيننا كيف تغوّلت إسرائيل، وتطاولت على لبنان وسوريا، وفي خُلد ساستها أنها ستخضع الجميع لإرادتها وترغمهم على قبول مقرّراتها في تهجير فلسطينيي قطاع غزّة وقد يذهب بها الطمع إلى اخلاء الضفة الغربية أيضا وانهاء مهزلة السلطة الفلسطينية رغم عمالتها وخيانتها لحقوق الشعب الفلسطيني، وكأني بفلسطين قطعة من الحلوى يعيد تهيأتها الإسرائيلي، بتزكية من أمريكا حسب رغبته، بينما يقف الحكام العرب موقف متفرج لا يحركون ساكنا، كأنّهم يرون أنفسهم بمنأى عن أطماعه، وليتهم يفهمون أنّ الدور قادم لا محالة عليهم، كلّ بحسب الأهمّية التي تكتسيها بلاده ومقدّراتها.
لقد انتهت مهلة الصمت والسكوت على ما يجري في فلسطين ولبنان وسوريا، وحان وقد اتخاذ القرار الصائب والمناسب الذي سيسجله عليهم التاريخ، إن كان موقفا مشرّفا، كالانتساب الى محور المقاومة كأسلوب وحيد لإنقاذ فلسطين وما حولها من أطماع الغرب، أو موقفا مخزيا، كالانخراط في مستنقع التطبيع مع العدو الصهيوني، مع ما يرونه من أعمال إبادة، لاقت استنكارا وتنديدا من طرف شعوب العالم الحرّة، في أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا وحتى أوروبا، ولم يعد هناك مجال للتأمّل وانتظار فرج لا يأتي من تلقاء نفسه، بل تصنعه الإرادة الشعبية بقيادتها الواعية الرشيدة، واتعجب من هؤلاء الحكام العرب والمسلمين، كيف يرضون مواصلة التعامل بسلبية مع قضية فلسطينية، هي من أعدل القضايا الاستحقاقية والتحررية في العالم، وفي خلدهم أنّهم في منأى عن سوء مصير قد يلحقهم من جرّاء خذلان أشقائهم، فأطماع الغرب الصهيوني لن تقف عند حدود فلسطين، مشروع الهيمنة الصهيوني ما زال يتوسّع، بغباء حكام آثروا الإحجام عن الدخول في ساحة مواجهته، فهل يعي هؤلاء أنهم على خطر جسيم؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat