سوريا الجديدة.. قراءة في تطورات المشهد السياسي
د . اسعد كاظم شبيب
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . اسعد كاظم شبيب

كان سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، تطورا دراماتيكياً متسارعا بعد ان شهدت سوريا احداث ومتغيرات عديدة شهدتها الساحة السورية منذ عام ٢٠١١ سياسياً وأمنياً ومن ذلك سقوط مدن عديدة بيد المعارضة السورية ومنها مدن الجوار الجغرافي لتركيا العدو اللدود لنظام بشار الأسد، وفي ظلّ التداعيات التي تركتها عملية طوفان الأقصى في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٢ التي ساهمت في انشغال محور المقاومة بقيادة ايران في عدة جبهات خاصة جبهة جنوب لبنان بقيادة حزب الله، كشفت في النتيجة انكشاف النظام السوري أمام المعارضة المسلحة التي قادها ابو محمد الجولاني الذي تحول اسمه فيما بعد إلى احمد الشرع وتحول معه خطابه السياسي إلى خطاب ذو نزعة اعتدالية خصوصا في الجانب السياسي كجزء من التغيير السياسي لسوريا الجديدة.
وبعد سقوط المدن السورية بيد المعارضة وهروب الرئيس السوري بشار الأسد الى روسيا لتحكم المعارضة السورية بقيادة الجولاني كامل سيطرتها على سوريا شهدت سوريا سلسلة من التطورات الأمنية والسياسية الهامة التي هدفت إلى السيطرة على مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار ومن تلك الاحداث المراحل الاتي:
اولاً: المرحلة السياسية الأولى ما بعد الاسد تشكيل الحكومة السورية الانتقالية
في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد وبعد مرور شهرين نصب الجولاني او الشرع نفسه رئيسا لجمهورية سورية الجديدة بعد ان كلف محمد البشير بتشكيل حكومة انتقالية في 9 كانون الأول/ديسمبر 2024. حيث أعلن البشير عن تشكيل حكومة مؤقتة تتولى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، مع التركيز على الحفاظ على المؤسسات العامة وتسهيل انتقال السلطة بسلاسة وغداة إعلانه رئيسا مؤقتاً لسوريا خرج الشرع ليبعث برسائل تطمينيه، قائلا: "أحدثكم اليوم لا كحاكم بل كخادم لوطننا الجريح".
وفي خطاب متلفز، تعهد بإتمام وحدة أراضي سوريا وتحقيق (السلم الأهلي)، فيما جاء الخطاب غداة إعلان إدارة العمليات العسكرية في سوريا 29 كانون الثاني/يناير إسناد منصب رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية إلى أحمد الشرع. وأعلنت الإدارة أيضا تفويض الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية وتعليق الدستور ضمن مجموعة من القرارات صدرت خلال مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية في دمشق بحضور قادة الفصائل المسلحة الأعضاء بإدارة العمليات العسكرية، تعد هذه المرحلة بكل تفاصليها مرحلة أولى بالانتظار ما ستسفر عن الأشهر القادمة في الكشف عن نية الشرع ما يخطط له لشكل ومعالم سوريا الجديدة من حيث شكل نظام الحكم وواقع التعددية السياسية والحزبية وطبيعة نظام الحكم سواء كان ديمقراطيا او ان هناك أنماط أخرى؟.
ثانياً: سوريا الجديدة والإصلاحات الدستورية والسياسية
من ضمان الاحداث السياسية المتسارعة في سوريا أعلن الشرع، القائد الفعلي للبلاد، عن خطط لتعليق الدستور والبرلمان لمدة ثلاثة أشهر، وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور وإجراء التعديلات اللازمة. وأشار الشرع إلى أن صياغة دستور جديد قد تستغرق حتى ثلاث سنوات، مع إمكانية إجراء الانتخابات خلال أربع سنوات، وفي حديثه عن أهمية فرض سلطة الدولة قال الشرع: إن بلاده تمر بـ"مرحلة ذات خصائص حرجة"، مؤكدا على إن "وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية بل فرض"، وذلك خلال كلمته في انطلاق فعاليات مؤتمر الحوار الوطني السوري، وشدد الشرع في كلمته خلال افتتاح أعمال المؤتمر، بالعاصمة السورية دمشق، على أن "الأحداث الحالية عنوان لمرحلة تاريخية جديدة في سوريا"، ودعا الشرع السوريين إلى "الوقوف متحدين"، مؤكدا على ضرورة مواجهة "كل من يريد العبث بأمن سوريا ووحدتها وتحويل نكباتها إلى فرص استثمارية" بحزم، واعتبر أن "سوريا لا تقبل القسمة بل إنها كل متكامل وقوتها في وحدتها". وأضاف: "علينا أن نبني دولتنا.. سوريا بحاجة لقرارات جريئة تعالج مشكلاتها"، وأشار الشرع إلى أن "التاريخ السوري مر عبر قرن من الزمن بتحديات وتحولات عدة"، مشدداً على أن "وحدة السلاح واحتكاره في يد الدولة ليست رفاهية بل واجب وفرض".
ثالثاً: مؤتمر الحوار الوطني السوري ومحاولة رسم شكل سوريا الجديدة
في 25 شباط/فبراير 2025، انعقد مؤتمر الحوار الوطني في دمشق بمشاركة حوالي 600 شخصية سورية. ركز المؤتمر على مناقشة مستقبل البلاد، بما في ذلك تعزيز حرية التعبير، والتعايش السلمي، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. كما تم التأكيد على ضرورة الإسراع في إصدار إعلان دستوري مؤقت وتشكيل مجلس تشريعي انتقالي، ومما تقدم حاول القائمون على هذا المؤتمر الاستعانة بالخطط والخبرات في محاولة لتجاوز المشاكل التي تمر بها سوريا ومعالجة المتوقع منها في المرحلة القادمة وقد يكون هذا المؤتمر رسالة طمأنة للفرقاء السياسيين من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية والطائفية في سوريا.
رابعاً: آفاق سوريا الجدية في ظل التحديات الأمنية والسياسية محلياً وإقليمياً ودولياً
تواجه سوريا تحديات أمنية متعددة، أبرزها غياب قوة شرطة مركزية وجيش موحد، مما أدى إلى سيطرة فصائل مسلحة مختلفة على مناطق متعددة. برزت هيئة تحرير الشام كقوة مهيمنة، مع تولي قائدها أحمد الشرع دور القائد العام للبلاد. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن قدرة الهيئة على توحيد الفصائل وضمان الاستقرار، خاصة في ظل التوترات مع القوات الديمقراطية السورية والفصائل المدعومة من تركيا في الشمال.
تسعى الإدارة الجديدة إلى بناء علاقات استراتيجية مع الدول المجاورة وحل النزاعات القائمة، بما في ذلك التوترات مع القوات الكردية. كما تأمل في تعاون دولي لرفع العقوبات المفروضة على البلاد. ومع ذلك، تظل المخاوف قائمة بشأن التدخلات الخارجية، خاصة من قبل إسرائيل وتركيا، وتأثيرها على استقرار البلاد وبالتالي فإن سوريا تمر بمرحلة انتقالية حساسة تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لتحقيق الاستقرار وإعادة البناء. ورغم التحديات الأمنية والسياسية، فإن هناك فرصا حقيقية لبناء دولة ديمقراطية تشمل جميع مكونات المجتمع السوري.
ومما تقدم فإن التجربة السياسية التي تمر بها سوريا تعد مرحلة مفصلية من عهد جديد بعد خمسون عاما من حكم الأسد بكل ماله وما عليه ومع الملاحظات التي سجلت على الحقبة الاسدية امنيا وسياسيا فإن الطبقة السياسية الجديدة بقيادة الشرع امام تحد جديد وان كانت الأوضاع السياسية في سوريا تصب في صالح تثبيت اركان حكامه، لكن هناك تحديات كبيرة تواجه نظامه السياسي ومن ذلك قدرته على إدارة التعددية والتنوع الذي تعرفه سوريا سياسيا واجتماعيا ودينيا وطائفياً، كما ان هذا التنوع لا يدار بعقلية الرجل الأوحد وانما بالمؤسسات السياسية والاجتماعية والقوانين والفصل بين السلطات والعدالة الاجتماعية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat