عندما ينطق الرويبضة !!
عبد الناصر السهلاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الناصر السهلاني

ينقل لنا الشيخ الثقة الجليل محمد بن إبراهيم النعماني (قدس سره) - من أعلام الأمامية في القرن الرابع الهجري - في كتابه " الغَيبة " بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال:
(( سمعت علياً (عليه السلام) يقول: " إن بين يدي القائم سنين خدّاعة، يُكذَّب فيها الصادق، ويُصدَّق فيها الكاذب، ويُقرَّب فيها الماحل " وفي حديث: " وينطق فيها الرويبضة فقلت: وما الرويبضة وما الماحل؟ قال: أوما تقرأون القرآن؟ قوله: (وهو شديد المحال) قال: يريد المكر. فقلت: وما الماحل؟ قال: يريد المكار " ))(١)
ونقله العلامة المجلسي (قدس سره) في بحاره وعلق عليه قائلا: (( لعل في الخبر سقطا وقال الجزري في حديث أشراط الساعة: " وأن ينطق الرويبضة في أمر العامة، قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ فقال: الرجل التافه ينطق في أمر العامة "
الرويبضة تصغير الرابضة وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة و " التافه " الخسيس الحقير. ))(٢)
والمستفاد من الحديث الشريف هو الإخبار بما سيحدث في عصر الغيبة من تبدل الموازين الشرعية عند الناس - والمقصود عند البعض بلا إشكال وإلا لاندرس الحق - بحيث استحقت هذه الفترة وصف السنين الخدّاعة إشارة إلى خداع بعض الناس وسيرهم على خلاف الموازين فيها بحيث تنقلب تلك الموازين فالمعروف بالأصالة والاستقامة والورع والصدق يُكذَّب، والمعروف بكونه طارئاً مدعياً متجاوزاً ماكراً كاذباً يُصدَّق ويُقرّب، بل ويُغَض النظر عن سقطاته الكثيرة مع وضوحها، ويُصَدّر بعنوان محترم في عدوان صارخ على الموازين الشرعية وعن حلال الله وحرامه بكل صلافة.
النبي (ص) كما في حديث الجزري أو علي (ع) كما في حديث النعماني يتحدثان عن ان مثل هذه الأجواء تكون مهيأة كي ينطق فيها هذا الكاذب في أمر عامة الناس وأسموه بالرويبضة، وفسره النبي (ص) بالتافه ومن الواضح ان التكلم في أمر العامة فيه إشارة إلى وضع التافه نفسه بمقام يخوّله بالكلام وإعطاء الرأي في أمور الناس وهو في حقيقته غير مؤهل فهو تافه بتعبير النبي (ص) وخسيس حقير بحسب ما أفاده العلامة المجلسي وأنه قاعد عن معالي الأمور، أي غير مكترث بما يجعله ذو قيمة حقيقية ومحترما في نفسه وذو كرامة وفق الموازين الحقة بل يسعى إلى الدنيا ويستخدم كل وسيلة لنيل أهدافه الدنيوية ولو بالكذب والافتراء والتعدي.
أمثال هذا الرويبضة وان ساعده جهل بعض الناس في تقمص ما ليس من حقه من العناوين المحترمة والعمل من خلالهم من اجل مصالحه الشخصية وحبه للرئاسة إلا ان أمثال هذا لن ينال مبتغاه الأساسي الذي انطلق جاهداً للوصول اليه بحسب سنن التاريخ وحوادثه المشابهة بسبب سوء سريرته فقد يوفق الله تعالى بعض المؤمنين لفضحه وبيان باطله وذكر مثالبه، فالتشويش الذي قد يحدثه هذا وأمثاله لفترة من الزمن سينتهي عاجلا أو آجلا ويعفى ذكره كمن سبقه ويبقى اهل الورع والتقوى من المخلصين الذي لا تزينهم العناوين والمناصب بل هم يزينونها بزهدهم فيها وعدم سعيهم إليها، بل المناصب هي التي تسعى إليهم لتفانيهم في خدمة الحق وحفظ الحقيقة.
ونختم بهذا الحديث الشريف المروي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والذي يُبيِّن فيه موقف الناس من إمامته:
(( إنما خاطب الله العاقل . والناس فيَّ على طبقات: المستبصر على سبيل نجاة، متمسك بالحق، متعلق بفرع الأصل، غير شاك ولا مرتاب، لا يجد عني ملجأ. وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسدا من عند أنفسهم. فدع من ذهب يمينا وشمالا، فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون سعي. وإياك والإذاعة وطلب الرئاسة، فإنهما يدعوان إلى الهلكة.))(٣)
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا
——————
(١) الغيبة: ص ٢٨٤
(٢) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٤٥
(٣) تحف العقول: ص ٥٢٢
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat