هل تحولت سوريا إلى قاعدة لمواجهة المسلمين الشيعة؟
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

تشير العديد من الأحداث والتصريحات والتحركات إلى أن سوريا، في ظل الظروف الحالية، قد تحولت من مواجهة العدو التقليدي المتمثل في الكيان الصهيوني إلى مواجهة جديدة تتمحور حول الشيعة والتشيع... ؛ و هذا التحول يفسر التركيز الإعلامي والسياسي على بث الكراهية تجاه الشيعة، سواء من قبل الجماعات المسلحة أو بعض الفصائل السياسية الحاكمة في سوريا .
وقد أصبح شعار "جاينك على كربلاء" رمزًا يستخدمه النظام السياسي السوري وعصاباته وحكومته الحالية لتأجيج المشاعر الطائفية ضد الشيعة وبث روح الكراهية ضدهم والانتقام منهم ... ؛ و هذا التوجه يفسر أيضًا التقارب بين حكومة الجولاني ، مع الأكراد والدروز او محاولة التقرب من الاقليات الاخرى ، بل وحتى التهادن مع القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل... ؛ اذ يبدو أن الهدف من هذه التحالفات هو إيجاد مساحة لمواجهة الشيعة والعلويين في سوريا وخارجها ؛فالمهمة التي جاء من أجلها الجولاني هي ضرب الشيعة في المنطقة ومهاجمة التشيع بشتى الوسائل والطرق .
من الواضح أن هذه الرؤية الاستراتيجية واضحة لدى قادة هذه الجماعات التكفيرية وأتباعهم الارهابيين والطائفيين ؛ لكنها قد لا تكون واضحة بنفس الدرجة لدى بعض الشيعة في المنطقة، من الذين ما زالوا يأملون في تحقيق الوحدة الإسلامية والتضامن العربي لمواجهة العدو المشترك المتمثل في الكيان الصهيوني... ؛ ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن هذه الآمال قد تكون بعيدة المنال في ظل التصعيد الطائفي الحالي ؛ فهي اشبه بأضغاث الاحلام ... ؛ الا ان هذه التوجه الساذج للبعض قد يؤثر على الحالة المعنوية للشيعة و الاعراض عن الاستعداد الضروري لمواجهة هذا الفكر المعادي والمتطرف واستئصال تأثيراته وتداعياته على المجتمعات الشيعية .
على الرغم من التاريخ الدموي للجماعات المسلحة والفصائل الارهابية السورية وغيرها ، والتي ارتكبت جرائم طائفية بحق الشيعة في سوريا والمنطقة، إلا أن هذه الجماعات وحكومة الجولاني والجولاني نفسه حاولت في مراحل لاحقة تقديم نفسها كقوى تسعى للسلام وإعادة الإعمار... ؛ وقد رفعت شعارات مثل "بدنا بالحب نعمرها" في محاولة لكسب ثقة السوريين، بما في ذلك العلويين والشيعة... ؛ حتى أطمئن الناس وصدق السوريون والعلويون والشيعة كعادتهم بهذه الشعارات المعسولة , وصدق من قال : لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن ... ؛ فهذه الشعارات الكاذبة والاستراتيجيات التكتيكية الشيطانية لم تمنع تلك الفصائل الاجرامية والتنظيمات الارهابية من مواصلة الجرائم والمجازر والانتهاكات بحق المدنيين خاصة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية أو العلوية ؛ ففي ليلة ظلماء هجمت تلك الذئاب الجولانية والضباع الاردوغانية والمرتزقة العثمانية وشذاذ الافاق على قرى ومدن الساحل السوري , واحالوها الى خراب والحقوا بها الدمار , واحرقوا كل شيء الحجر والمدر والبشر , واغتصبوا النساء وقتلوا الاطفال وذبحوا الشباب وعذبوا الرجال , وانتشر الصراح والعويل وازيز الرصاص واعمدة الدخان ونيران الحرائق في كل مكان , ولم يسلم من تلك المجازر احد , وقد فاقت جرائم الجولاني وعصاباته جرائم النازية والهولوكوست بشاعة ومرارة ... ؛ و هذه الأحداث تكشف عن طبيعة الصراع الطائفي الذي يتم استغلاله لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية , وتسلط الاضواء على حقيقة حكومة الجولاني وعصاباته .
وحشية الانتهاكات الجولانية الارهابية فاقت التصور , وعبرت حدود المعقول والمتعارف ... ؛ ولعل هذه الجرائم والمجازر تكشف لنا سر عدم اقدام الجولاني في بداية حكمه وخلال الايام السابقة على ابرام اتفاقية مع الشيعة والعلويين كما فعل مع الاخرين ... ؛ فقد عمل الجولاني على تبرير هذه المجازر بادعاءات وافتراءات ومسرحيات مكشوفة وذرائع مفضوحة سلفا , من قبيل تعرض الجيش السوري الى كمين , ومطاردة فلول النظام , ومنع تقسيم سوريا , وكل هذه الحجج الواهية , يتشبث بها الجولاني للتغطية على حقيقة موقفه تجاه الشيعة والعلويين وعدائه لهم ؛ فهو يريد بهذه التبريرات الانتقام من الشيعة والقضاء على العلويين ؛ من خلال التحشيد الطائفي الخطير , فقد نادت مكبرات الصوت في المساجد والجوامع السنية بضرورة الالتحاق بالجيش والفصائل المسلحة لمواجهة الشيعة والعلوية في كل مناطق سوريا وليس الساحل السوري فحسب , والاجهاز على الشيعة والعلوية واطعام لحومهم للسمك في البحر او للوحوش في البراري او للطيور الجارحة في الوديان والجبال , وهتفوا جميعا بحي على الجهاد والله اكبر .
في الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات كبيرة ، مثل الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من أراضيها، وتصاعد النفوذ التركي وتواجد القوات التركية في الشمال وغيره ، وإعلان بعض المناطق استقلالها شبه الكامل عن الحكومة المركزية، كما هو الحال في السويداء , فقد رفع الدروز علمهم الخاص ... ؛ ومع كل ذلك ، يبدو أن تركيز الفصائل المسلحة وحكومة الجولاني ينصب على مواجهة الشيعة والعلويين فقط ، مما يثير تساؤلات حول أولويات هذه الجماعات والحكومة السورية الحالية في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها سوريا ...؛ فكل هذه التحديات لا تثير حفيظة الجولاني بقدر ما يستفزه اطفال العلوية وعجزة الشيعة والابرياء العزل ...؟!
ومن خلال تصريحات الجولاني وعناصر حكومته ؛ تتضح لنا هوية وحقيقة الحكومة السورية الحالية ؛ اذ أكد الجولاني في مقابلاته الاعلامية على النقاط التالية :
اسرائيل ليست عدونا (حيث يتم استبدال العدو الخارجي التقليدي ( الكيان الصهيوني ) بمواجهات داخلية وخارجية طائفية )... ؛ وجئنا من اجل القضاء على النفوذ الايراني بسوريا... ؛ و جئنا للقضاء على حزب الله بسوريا ... ؛ ولسنا دعاة اللطم والعويل (يقصد الشيعة ) ... ؛ وجئنا لمنع تدفق الاسلحة والمال الى حزب الله بلبنان ... ؛ ونحن ضد المحاصصة المتعارفة في بعض الدول ( ويقصد بذلك العراق ) وغيرها الكثير من التصريحات السلبية والمستفزة والمبطنة برسائل عدائية ... الخ ... ؛ واسفرت هذه الهوية الجديدة للحكومة السورية عن نتائج كارثية , ومنها : ابادة وتهميش واقصاء الشيعة والعلوية في سوريا وحرق وتدمير مناطقهم ونهب وتخريب ممتلكاتهم ودورهم , و تهديم المراقد الدينية ؛ ووضع عراقيل أمام الزوار، مثل فرض رسوم باهظة تصل إلى 250 دولارًا لكل زائر، بما في ذلك الأطفال... ؛ بالإضافة إلى ذلك، تعرض الزوار الشيعة، خاصة القادمين من العراق، للإساءة والإهانة في مطار دمشق على يد عناصر النظام الجديد... ؛ فضلا عن الاعتداءات على حزب الله وافتعال الاشتباكات الحدودية والنزاعات بين الطرفين ؛ وتحريض سنة لبنان على الاخلال بالأمن والسلم الاهلي وافتعال النزاعات الطائفية للتضييق على شيعة لبنان والعلوية , وارسال شحنات المخدرات وبكميات كبيرة الى العراق , بينما كان يدعي الجولاني ان هذه التجارة تعود لنظام الاسد ؛ بالإضافة الى استمرار التحريض الطائفي ضد الشيعة عموما وشيعة العراق بالتحديد والاساءة الى مقدسات الشيعة المستمرة في وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام وبين الاوساط الشعبية ... الخ .
في ظل هذه العقلية العدائية والسياسات التكفيرية والإجراءات المستفزة، يصبح من الصعب على السياسيين العراقيين وشيعة العراق والمنطقة أن يتوقعوا أي تعاون أو مصالح مشتركة مع هذه الحكومة ؛ بل على العكس، فإن هذه السياسات تفرض عليهم ضرورة توخي الحذر واتخاذ إجراءات دفاعية لحماية مصالحهم ومقدساتهم من هذه الهجمة العدائية ؛ لاسيما من الخلايا النائمة والفصائل التكفيرية والجالية السورية في العراق .
هل توجد مصالح مشتركة بين شيعة العراق وهذه الحكومة؟
الجواب هو أن هذه الحكومة، بسياساتها الحالية، لا تترك مجالًا لأي تعاون أو مصالح مشتركة، بل تعمل على تصعيد العداء وتأجيج الصراعات الطائفية، مما يستدعي وقفة جادة من جميع الأطراف لمواجهة هذه التحديات الخطيرة.
وختاما : الحقيقة التي لا تقبل الشك والدحض ؛ هي ان حكومة الجولاني والمدعومة من الاتراك والصهاينة , هدفها الاول والاخير , محاصرة شيعة المنطقة ومحاربتهم , وافشال مشاريعهم السياسية , والتدخل في شؤونهم الداخلية ؛ فالجولاني لن يكتفي بإفشال طريق محور المقاومة وقطع الامدادات عن حزب الله وحماس في غزة , بل سيذهب بعيدا بخطواته العدوانية , اذ سيهاجم حزب الله ويدخل لبنان ويحرض السنة في لبنان ضد الشيعة والنظام السياسي وحزب الله , ويدفع الاخوان في الاردن ومصر وغيرهما لتحقيق الاهداف المشبوهة ايضا , ثم يعمل على الاطاحة بالتجربة الديمقراطية والعملية السياسية في العراق من خلال التنسيق مع الاتراك وسنة العراق والخلايا النائمة والمجاميع الارهابية والجالية السورية في العراق , فضلا عن مقارعة تحركات ايران في سوريا والمنطقة , فقد جاء هذا النظام من اجل تدمير مشروع الهلال الشيعي والقضاء على النفوذ الشيعي والايراني في المنطقة .
وعليه حكومة ارهابية وبهذه العقلية العدائية والايديولوجية التكفيرية والاجراءات والتصريحات المعادية والحاقدة والخطوات المستفزة ؛ ماذا يتوقع منها السياسي العراقي وشيعة العراق والمنطقة ؛ وهل توجد بينهم وبينها مشتركات او مصالح مشتركة , وما هي ؟؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat