صفحة الكاتب : محمد  عبد الجبار الشبوط

وراثة الارض في الدنيا ودخول الجنة في الاخرة
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نقرأ في سورة الزمر الاية التالية: "وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ، نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ" (الزمر 74) 

تحكي هذه الاية قول المتقين الذين أُدخلوا الجنة يوم القيامة. وقد حمد هؤلاء الله سبحانه وتعالى الذي صدقهم وعده. وقد تضمن وعده امرين: وراثة الارض، ودخول الجنة. 

وذكر الارض في هذه الجملة قد يثير سؤالا في ذهن القاريء وهو: عن اية ارض يتحدث القران، هل هي ارض الدنيا، ام هي ارض الجنة؟ 

صاحب الميزان يقول انها ارض الجنة حيث قال: "قوله: «و أورثنا الأرض» المراد بالأرض - على ما قالوا - أرض الجنة و هي التي عليها الاستقرار فيها". وفسر قوله تعالى: «نتبوأ من الجنة حيث نشاء» بانه "بيان لإيراثهم الأرض، و تبديل ضمير الأرض بالجنة للإشارة إلى أنها المراد بالأرض."

لكنه اردف بعد ذلك بالقول: "قيل: المراد بالأرض هي أرض الدنيا و هو سخيف إلا أن يوجه بأن الجنة هي عقبى هذه الدار قال تعالى: «أولئك لهم عقبى الدار:» الرعد: - 22 انتهى قول صاحب الميزان.

ولا ارى ان ذلك قول سخيف، لان المتقين كانوا يتحدثون عن وعدين كما قلنا، وهما وراثة الارض في الدنيا، ودخول الجنة في الاخرة. وهذا شكر تام لله سبحانه وتعالى على تحقيق الامرين. 

و وراثة الارض في هذه الاية تشير الى وعد الله المتكرر في القران بان الارض يرثها عباده الصالحون قبل يوم القيامة، وهذا ما سوف يحصل عند ظهور الامام المهدي، وقيام دولة العدل الالهي، ثم قيام المجتمع المعصوم تجسيدا لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". (الذاريات 56)

"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". (الانبياء 105) 

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور 55)

وهذا الوعد هو المعادل الموضوعي للسنة الإلهية الحتمية بغلبة الدين على الارض كلها كما في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (الصف 9)

ويساعد هذا الفهم على القول بان القيامة (وهي الانتقال الكوني من عالم الشهادة الى عالم الغيب) سوف تحصل والارض يحكمها الصالحون من عباد الله، ممثلين بالمجتمع المعصوم.

 "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ" (الزمر ٦٨)

وتقرر هذه الاية انه ستكون هناك نفختان، الاولى لانهاء العالم المادي، عالم الشهادة، والثانية للانتقال الى العالم غير المادي، عالم الغيب. 

ولا يبعد ان يكون المقصود بالصور في القران الكون كله، واستخدمت كلمة "الصور" كناية عن الكون. ويكون النفخ في الصور كناية عن تحولات واحداث كونية تحدث ضمن ما يسميه القران يوم القيامة، او يوم التغابن، او يوم التلاق او الساعة الخ.

ويمكن ان يكون النفخ في الصور، في المرة الاولى، كناية عن تطورات كونية كبيرة تؤدي الى انهيار الكون المادي المنظور واختفائه من الوجود. وهي التطورات التي اطلق عليها سيد قطب عنوان "مشاهد يوم القيامة". 

وتمثل هذه الاحداث الكونية الكبيرة التحولات التي سوق تحصل "يوم القيامة"، وهو يوم طويل نسبيا يبلغ مقداره ٥٠ الف سنة من زمننا الارضي حسب قوله تعالى:"تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ". (المعارج 4)

يبقى ان نقول ان مشاهد يوم القيامة ليست تخريبا للكون. فانهاء العالم المادي ليس تخريبا للكون. انما هو نقل الوجود من حالة الشهادة الى حالة الغيب، وهي درجة اعلى في الوجود. قال الطباطبائي: "ان فناء الممكن كماله". فناء الكون المادي هو كماله بالتحول الى الكون غير المادي. "انه في الحقيقة تكميل لها وإتقان لنظامها لما يترتب عليه من إنهاء كل شيء إلى غايته و إيصاله إلى وجهته التي هو موليها من سعادة أو شقاوة لأن ذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء فهو سبحانه لا يسلب الإتقان عما أتقنه و لا يسلط الفساد على ما أصلحه ففي تخريب الدنيا تعمير الآخرة. (الميزان ج ١٥ ص ٤٠١).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/22



كتابة تعليق لموضوع : وراثة الارض في الدنيا ودخول الجنة في الاخرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net