صفحة الكاتب : علاء سعدون

يا للخسارة!
علاء سعدون

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

فتح عينه كما يفتحهما النائم أو المغمى عليه حين نشاهده في أحد الافلام الاحترافية وكأن الكاميرة تأخذ لقطتها من الداخل .. استيقظ خالد متأخراً كعادته ولكن الأمر مختلف قليلاً هذه المرة؛ فهو يشعر ببعض الضعف في بدنه، بل أن جميع فرائصه ترتجف!
اتكأ على يديه ولكنه انتفض مرتعباً حين لمحها تبدو كيد رجل في التسعين من عمره! حاول جاهداً أن ينهض مرة تلو الأخرى ولكن جسده لم يعينه على ذلك .. انتابه قلق وخوف كبيران من أن يكون الأمر واقعياً وليس مجرد كابوس، فقد نام بالأمس وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين عاماً فكيف له أن يستيقظ بهذا الجسد التسعيني المنهار!؟
لم يجد أمامه سوى أن يستنجد بأمه: " أمي .. أمي .. أين أنتِ يا أمي؟" غير مكترثاً لصوت شيخوخته الهزيل .. فُتح باب الغرفة ودخل عليه طفل صغير في العاشرة من عمره قال: صباح الخير يا جدي .. هل ناديتنا؟
"جدي!!" قال خالد في نفسه وقد ذُهل مما سمع وكأنه في أحد الأفلام الخيالية التي أعتاد مشاهدتها-انتقال الروح إلى جسد إمرأة أو رجل آخر أثر تعويذة ما، أو تحول طفل صغير إلى شاب يافع بسبب أمنية تمناها في عيد ميلاده-إلا أنه لم يتعرض لتعويذة من هذا النوع ولم يتمنى أمنية بلهاء كما وصفها.
أمر الصغير أن يجلب له مرآة، ولكن الأمر لم يزداد إلا سوءً حين شاهد ملامح وجهه وما عليها من تجاعيد أكدت أنه رجل تعدى السبعين من عمره!! نادى الصغير وقال تعال يا هذا .. ما هو أسمك ومن هو أبوك؟
"هههههه" ضحك الصغير وقال: "ها أنت تنسى مجدداً يا جدي .. أنا منتظر وسأنادي لك أبي" ثم ركض منادياً أباه: "أبي أبي .." وبعد وقت قليل دخل عليه رجل وقور متوسط العمر، قال: "السلام عليكم يا والدي .. كيف حالكم اليوم؟".
ما كان من خالد إلا أن يتهجم عليه صارخاً: "أي والد يا هذا! من أنت ومن أنا أساساً!!؟ كل ما أعلم أنني خالد الذي نام بالأمس على أمل أن يستيقظ مبكراً كي يذهب الى الجامعة ويصارح زميلته بحبه لها! فكيف لي أن استيقظ بهذا الجسد البليد وأنت تناديني والدي .. والصغير جدي!! أرجوك أخبرني ماذا يحدث معي .. ارجوك" قال خالد وقد سالت الدموع من عينيه!
تألم الأبن واقترب من والده واخذ يربت على كتفه: لا تخف يا أبي إنها النوبة من جديد ولكن سرعان ما ستزول بعد أن تأخذ علاجك.
"العلاج .. إنها فكرة جيدة" قال خالد "واجلب معك منوم أيضاً علّي أنام واستيقظ عائداً الى شبابي".
"الشباب" .. قال الأبن متحسراً " ومن لا يتمنى العودة إليه ولكن ما باليد حيلة .. وحتى لو عدنا إليه ألف مرة لن تتغير أطباعنا ولن تزول غفلتنا إلا في أرذل العمر!".
جلب الدواء وجلس الى جنب والده يحدثه: "نعم يا والدي .. ماذا لو عدت للشباب حقاً، ماذا ستفعل حينها!؟".
"رغم إن الأمر لا يزال غريب عليّ ولن أصدق أني بلغت هذا العمر او سأبلغه يوماً إلا أنني كنت سأصارح زميلتي في الجامعة بحبي لها .. وكنت سأتخرج واتوظف واتزوج واعيش شبابي كما يحلو لي" قال خالد العجوز وهو منكسر منهار .. "نعم كنت سأتزوج عذراء، الفتاة الأجمل في الجامعة .. ولكن ها قد ذهب كل شيء وانا وحيد عاجز، دون أن أفكر يوماً بهذا المصير الحتمي أو ما سيصيبني بعده .. كم هو مؤسف أن تستيقظ بعد فوات الأوان أو تهمس لنفسك ندماً: "يا للخسارة!!"
" نعم يا أبي إن الأمر مؤسف حقاً" قال خالد "والحديث يطول يا أبي ولكن دعني أخبرك ما أخبرتك به عشرات المرات حتى الآن: أنت خالد وعذراء هي أمي وفي ذلك اليوم الذي تتحدث عنه كنت قد صارحتها واحبتك وتزوجتما وتخرجت وعملت موظفاً وانجبتما ثلاث اولاد أنا اكبرهم وبنتين متزوجتين الآن ولكل منّا أولاد، وأوشك أن يكون لي حفيداً بعد ايام .. وبعد عمر مديد ها أنت خيمة على رؤوسنا ولكنك تصاب بهذه النوبة من وقت لآخر و كما قال الطبيب ما من حل سوى أخذ العلاج وتذكيرك في كل مرة، فلا تأمل كثيراً يا أبي؛ ما من عودة إلى الشباب، ولو عدت ألف مرة سيكون الأمر كما هو الآن .. الكِبر يدركنا فجأة والموت بغتة ونحن في غفلة طويلة! ولكن سرعان ما سنرى حياتنا مصورة تعرض أمامنا فنقول يا ليتنا عدنا لنعمل خيراً .. هكذا هو الأمر يا أبي .. أو يا حاج خالد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء سعدون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/18



كتابة تعليق لموضوع : يا للخسارة!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net