ألفوه حزينا قالوا ما بك ؟؟
قال لاشيء....
وقدم برهانه...
دمعة نزلت من عينه ...
صدحت بأعلى ما في الدمع من بوحٍ....
انه سعيد سعيد جدا.... ولكنكم لا تفقهون
قلب ما في الصور من ذكريات... ذكريات كانت موجعة حقا.... لكنه تبسم... تبسم بشيء من السخرية الموجعة بحق القدر
كان يدرك أن ما فعله شيء وما آل إليه شيء .... شيء لا يشبه شيء ولكنه أولا وأخيرا شيء مُوجع ولد من كل ما أراده أن يكون فرحة....
نظر إلى نفسه في المرآة لم يتغير كثيرا ؟ فما الذي اجتاح كيانه فجأة شيء من شيخوخة مبكرة أطاحت بكيانه .... شيء من أعراض الأمراض ولكن بلا مرض
نظر في الصورة المعلقة .... صورة له بملابسه الرياضية .... صورة لحارس مرمى بيد واحدة ولكنها تحمل إشارة قائد الفريق.... نظر في الصورة وأدار قرص الزمن بالمقلوب...
طفل شقي... شقي جدا إلى درجة انك تظن انه مزود بمصدر خارجي للطاقة ..ولا يذكر احد انه رآه ساكنا ... جميل... جميل جدا إلى درجة انك تغفر له كل خطايا الأطفال البريئات....
شقي جدا ..لكنهه محبب للنفس...
في صباح الخميس ... وقف بين الأطفال في ساحة المدرسة وإذا نظرت إلى الأطفال من الزاوية المقابلة لتخيلتهم كمجموعة من الأسنان اللبنية المتباينة في كل شيء ....الطول والارتفاع والعرض ووو.... غير آبه بما وبمن حوله بحركة سريعة جدا فتح الحقيبة خاصته واخرج شيء من طعام وجعل يتناوله .... غضبت المعلمة وارتعد لفعله لكنها ضحكت حين برر فعله بان الاصطفاف قد طال وهو جائع وما على الجائع حرج....كل شيء ينام إلا الأحلام حتى الأطفال فبرغم ساعات نومهم الطويلة إلا أن أحلامهم لا تنام أبدا حلمه أن يكون حارس مرمى حين يكبر .. ألان هو ليس بالحلم لأنه فعلا حارس مرمى فريق أطفال الحي الذي يقطنه..
وعلى غير العادة سكون موجع ينتاب المنزل إن لم نقل ينتاب المنطقة بأسرها فذلك العفريت الذي لا يهدأ قد سكن فجأة وسكون الأشياء مقلق عادةً قلق وارتياب راود أمه خشية أن يكون خلف هذا السكون .... عاصفة مرضية.. ارتابت وقلقت كل هذا سليم لأنه تصرف فطري.. ولكنها لم تفعل ما يجب فعله فاستعاضت عن الطبيب بشخص لا علاقة له بالطب إلا المعطف الأبيض .. صحيح أنها إبرة في الوريد ولكنها كانت إبرة بحجم الكارثة فبعد الزرقة احمرار وتورم وألم وبعده بكثير كان الطبيب الذي تنهد وتألم وبخفة عجيبة بُتِرَت ذراع الطفل....بُتر جزء غير زهيد من الطفل هذا صحيح .... ولكنه بُتر بدقة عجيبة بحيث ضل الحلم سليما تماما... لم يكن يفطن إلى ما فقد بذلك القدر من الألم والحسرة فيما لو كان كبيراً وكبر الطفل شيئا فشيء وكبر معه ذلك الحلم وكبرت حوله هالة من الحزن ومضى على الحلم الكثير وهو في الأرحام فأراد له الخروج وإبصار النور _ ولو بقيصرية _ ورفض أي إنسان أن يخرج الحلم ظنوه محض أضغاث كان يبوح بها مُعاق ....معاق جسديا هذا صحيح لكن يحق له أن يحلم بصمت... فليحلم ولكن لا يزعج أحدا بالبوح .... رفضوا بشدة حلمه وبشدة اكبر ضل يُصر ... وبالشدة الأكبر ضحكوا سخرية
المدرب الأول ...الفريق الأول ...المدرب الثاني ... الفريق الثاني.... المدرب الخامس... الفريق مئة بعد الألف مجموعها كلها يساوي سخرية وحاصل قسمتها يساوي ضحكات ضلت ترن في إذنه...
أذنه ما عادت تأبه بالضحكات الساخرة ... ولكنها أنصتت بخشوع لابتسامة الحلم ...
وازداد إصرارا وتعمد لفت انتباه مدرب الحراس في احد الفرق فاخذ يتدرب مع زميل له خارج تغطية النظر وشيء فشيء توسع حماسه وهو يتدرب وما يرسله ذلك الحماس من بث وصل أخيرا إلى انتباه المدرب... وبالفعل لفت انتباهه ... ومع نفسه قالها المدرب ولكنها مسموعة
- فليكن بذراع واحدة أو بلا اذرع ليس مهم .. المهم هو حراسة المرمى فمادام سيحرسها كما هو الآن فليكن وأهلا وسهلا.... قيلت بنبرة ذات معنى
أبصر الحلم النور ودخل حيز التنفيذ ... بلا معاناة وبهدوء تام كان يصل إلى مبتغاه وشيء فشيء يكبر الفتى ويكبر نجم حارس المرمى ذي الذراع الوحيد ... والفريق الأول
ما عاد بحجم الطموح ففريق ثاني ربما أوسع
ومنتخب البلاد ومنه إلى الفريق الثالث ومن الثالث إلى الرابع و... إلى حيث النجوم إلى حيث الأشخاص الذين لو رايتهم لحسبتهم بألف ساق وألف ذراع وألف رأس وأربع عيون لا ينقص عنهم ذو الذراع الواحدة بشيء أبدا ومن ينظره يحسبه بألف ذراع وتمضي الأيام ويكبر الحلم ويكبر بسرعة اكبر منه الفتى الحارس وبالسرعة الأكبر كان نجمه يكبر حتى صار اكبر من الحلم ومن الفتى نفسه ولكن اصغر من همته
الألقاب والامتيازات بدأت من كلمات الثناء ثم نظرات الرضا ثم نظرات الإعجاب والتقدير ثم الميداليات ووو
وشيء فشيء بعد أن تسلق الجبل وصل القمة فرح كثيرا بذلك وفرح أكثر حين جرى الحديث حول اختياره كأفضل لاعب ... وفجأة تكدر صفائه ونزلت شمس الفرح فاستحالت نهارات أفراحه إلى ليل مظلم رطب برطوبة الكراهية ...حين علم أن هذه الجائزة لا يُقبل أن تستلم إلا بساعدين اثنين اغرق بحزن تفجر من حنايا أضلعه وانطوى واعتكف حزينا وحيدا
وطال غيابه فجاء أصحابه ودخلوا عليه
فألفوه حزينا قالوا ما بك ؟؟
قال لاشيء....
وقدم برهانه...
دمعة نزلت من عينه ...
صدحت بأعلى ما في الدمع من بوحٍ....
انه سعيد... سعيد جدا.... ولكنكم لا تفقهون
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat