صفحة الكاتب : داود السلمان

استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
داود السلمان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تكملة المبحث الثاني
 
 
   قال الطباطبائي: هذه النسبة الوجوبيّة إنّما تنشأ عن نسبة المعلول إلى علّتها التامّة البسيطة أو المركّبة من امور كثيرة كالعلل الإربع والشرائط والمعدّات. وأمّا إذا نسب المعلول المذكور إلى بعض أجزاء العلّة أو إلى شئ آخر لو فرض كانت النسبة نسبة الإمكان بالضرورة، بداهة أنّه لو كانت بالضرورة كانت العلّة التامّة وجودها مستغنى عنه وهي علّة تامّة هف، ففي عالمنا الطبيعي نظامان: نظام الضرورة ونظام الإمكان، فنظام الضرورة منبسط على العلل التامّة ومعلولاتها ولا يوجد بين أجزاء هذا النظام أمر إمكانيّ إلبتّة لا ذات ولا فعل ذات ونظام الإمكان منبسط على المادّة والصور الّتي في قوّة المادّة التلبّس بها والآثار الّتي يمكنها أن تقبلها، فإذا فرضت فعلا من أفعال الإنسان الاختياريّة ونسبتها إلى تمام علّتها، وهي الإنسان والعلم والإرادة ووجود المادّة القابلة وتحقّق الشرائط المكانيّة والزمانيّة وإرتفاع الموانع، وبالجملة كلّ ما يحتاج إليه الفعل في وجوده كان الفعل واجبً ضروريّاً، وإذا نسب إلى الإنسان فقط، ومن المعلوم أنّه جزء من أجزاء العلّة التامّة كانت النسبة بالإمكان. 
ثمّ نقول: سبب الاحتياج والفقر إلى العلّة كما بيّن في محلّه كون الوجود (وهو مناط الجعل) وجودً إمكانيّا، أي رابطا بحسب الحقيقة غير مستقلّ بنفسه، فما لم ينته سلسلة الربط إلى مستقلّ بالذات لم ينقطع سلسلة الفقر والفاقة. 
ومن هنا يستنتجّ إوّلا: أن المعلول لا ينقطع بواسطة استناده إلى علّته عن الاحتياج إلى العلّة الواجبة الّتي إليها تنتهي سلسلة الإمكان. 
   وثانيً: إنّ هذا الاحتياج حيث كان من حيث الوجود كان الاحتياج في الوجود مع حفظ جميع خصوصيّاته الوجوديّة وارتباطاته بعلله وشرائطه الزمانيّة والمكانيّة إلى غير ذلك. 
   فقد تبيّن بهذا أمران الأوّل: أنّ الإنسان كما أنّه مستند الوجود إلى الإرادة الإلهيّة على حدّ سائر الذوات الطبيعيّة وأفعالها الطبيعيّة فكذلك أفعال الإنسان مستنده الوجود إلى الإرادة الإلهيّة على حدّ سائر الذوات الطبيعيّة وأفعالها الطبيعيّة فكذلك أفعال الإنسان مستندة الوجود إلى الإرادة الإلهيّة، فما ذكره المعتزلة من كون الإفعال الإنسانيّة غير مرتبطة الوجود بالله سبحانه وإنكار القدر ساقط من إصله، وهذا الاستناد حيث أنّه إستناد وجوديّ فالخصوصيّات الوجوديّة الموجودة في المعلول دخيلة فيه، فكلّ معلول مستند إلى علّته بحده الوجوديّ الّذي له، فكما أنّ الفرد من الإنسان إنّما يستند إلى العلّة الُولى بجميع حدوده الوجوديّة من أب وأمّ وزمان ومكان وشكل وكمّ وكيف وعوامل إخر مادّيّة، فكذلك فعل الإنسان إنّما يستند إلى العلّة الُولى مأخوذا بجميع خصوصيّاته الوجوديّة، فهذا الفعل إذا إنتسب إلى العلّة الُولى والإرادة الواجبة مثلا لا يخرجه ذلك عمّا هو عليه ولا يوجب بطلان الإرادة الإنسانيّة مثلً في التأثير، فإنّ الإرادة الواجبيّة إنّما تعلّقت بالفعل الصادر من الإنسان عن إرادة وإختيار، فلو كان هذا الفعل حين التحقّق غير إراديّ وغير إختياريّ لزم تخلّف إرادته تعالى عن مراده وهو محال، فما ذهب إليه المجبّرة من الإشاعرة من أن تعلّق الإرادة الإلهيّة بالافعال الإراديّة يوجب بطلان تأثير الإرادة والاختيار فاسد جدًّ، فالحقّ الحقيق بالتصديق أنّ الإفعال الإنسانيّة لها نسبة إلى الفاعل ونسبة إلى الواجب، وإحدى النسبتين لا توجب بطلان الُخرى لكونهما طوليّتين لا عرضيّتين. 
   الثاني: أنّ الإعال كما أنّ لها إستنادا إلى عللها التامّة (وقد عرفت أنّ هذه النسبة ضروريّة وجوبيّة كسائر الموجودات المنسوبة إلى عللها التامّة بالوجوب) كذلك لها إستناد إلى بعض إجزاء عللها التامّة كالإنسان مثلا، وقد عرفت أن هذه النسبة بالامكان فكون فعل من الإفعال ضروريّ الوجود بملاحظة علّته التامّة الضروريّة لا يوجب عدم كون هذا الفعل ممكنا بنظر آخر، إذ النسبتان ثابتتان وهما غير متنافيتين كما مرّ فما 
 ويضيف: ذكره جمع من المادّيّين من فلاسفة العصر الحاضر من شمول الجبر لنظام الطبيعة وإنكار الاختيار باطل جدًّ بل الحقّ أنّ الحوادث بالنسبة إلى عللها التامّة واجبة الوجود بالنسبة إلى موادّها وأجزاء عللها ممكنة الوجود، وهذا هو الملاك في أعمال الإنسان وأفعاله فبنائه في جميع مواقف عمله على أساس الرجاء والتربية والتعليم ونحو ذلك، ولا معنى لابتناء الواجبات والضروريّات على التربية والتعليم، ولا الركون إلى الرجاء فيها وهو ظاهر. (ج1ص105- 110)

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


داود السلمان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/30



كتابة تعليق لموضوع : استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net