صفحة الكاتب : ادريس هاني

الغنوشي سارق أفكار حسن الترابي، يدلّس في الـ"فورين أفيرز"....
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أنتجت الثقافة السياسية التي نبتت في الحديقة الخلفية للربيع المستعرب أنماطا من المفارقات والنفاق الذي اتخذ وسائط محترفة كما يظهر من المنابر التي تستعمل لتمرير هذا الخطاب أو حجم المفاهيم الملتبسة التي يستند إليها صنّاع المفارقة أنفسهم..لقد منحت مراكز الأبحاث والدراسات الأكثر تأثيرا في القرار الأمريكي وبالتالي الغربي مثل مركز كارنيجي وراند فرصة لمنح تيار الإخوان المسلمين فرصة للحكم..اكتملت الفكرة في أروقة هذه المراكز ثم عمل على نشرها على نطاق واسع لتتحوّل إلى فرضية لمستقبل المنطقة..إحدى أبرز الصفاة التي أزاحت حالة الرهاب من الرأي العام الغربي تجاه هذه الجماعات هو التأكيد المستمر على أنّها مستعدة لتحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة وباعتبارها جماعات معتدلة وذات توجه شبه علماني عميق..والحقيقة أن الأمر هنا لم يكن مجرد تأثير معكوس قامت به هذه المراكز المتخصّصة والتي كان يباشر الأبحاث فيها ضباط سابقين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية، بل إنّ لقاءات مكوكية سبقت فعل انتشار هذا النوع من المقاربات..وكل الذين انخرطوا في موجة استلام الحكم على إثر الاحتجاجات العربية من التنظيمات ذات المرجعية الإخوانية كانوا على صلة مستمرة بتلك الدّوائر فيما كانوا يقرؤون أفكار الراعي الأمريكي ويتحدّثون لغته..توحّد خطاب طلاّب السلطة الجدد وتماهى مع الفرضية الأمريكية التي أشرف على تدوين معالمها الجديدة غراهام فولر.. يبدأ مسار هذه التجربة بلقاءات شخصية ثم يثنّى بالتدريب على الديمقراطية الذي تبنته الخارجية الأمريكية واستفاد منه الجيل الذي سيكون له دور في استيلام السلطة برسم الربيع العربي ثم في مساءلات تقوم بها المراكز المذكورة ثم المرور من إيباك وإعلان النوايا قبل استيلام شهادة حسن السلوك..وفي كل مرحلة كان العملاء يبعثون برسائل في وسائل الإعلام تنفض عن كاهلهم كل تبعات الماضي الظلامي والرجعي وكذلك الموقف من القضية الفلسطينية وإسرائيل..تكررت هذه التجربة وبطريقة بليدة لم تعد متمنعة عن الظهور..
أريد هذه المرّة أن أتحدّث عن تجربة الغنوشي وموقفه المخاتل والمتملّق للغرب والرجعية في محاولة لطلب الود من الغرب للسماح له بالتجذر في السلطة..الغنوشي الذي كنّا نجلد مواقفه المحتالة منذ سنوات ويعتقد البعض أننا نقسوا على مواقف الرجل، بات يكشف كل يوم عن مفيوزيته الأيديولوجية التي انطلت على الكثير من المراقبين..إذا ما استجمعت حصيلة تصريحات الغنوشي منذ عاد إلى تونس على سجاد فطري ليتحايل على الثورة ويسرق نتائجها بعد أن لم يكونوا طرفا فيها، سيدرك أنّها تصريحات ومواقف هدفها الوحيد ترجيح مطلب التسلط على مطلب الدفاع عن مستقبل تونس..مرّ الغنوشي من منبر إيباك ليخاطب الرأي العام المتصهين وليقول له إن فلسطين ليست أولوية..كما تطور بشكل ممنهج في "شلح" آخر شعاراته التي بسببها دخل الكثير من قواعده السجون وربما لقوا حتفهم..في تلك الأثناء التي كان شيخ المحتالين يتملّق فيها للبريطانيين والأمريكيين ولإسرائيل وغيرهم، كان يداري فلول المتطرفين ويمكن لهم طيلة هيمنته على الحكومة مما أنتج حالة تطرف وأعمال إرهابية اضطرته للهروب إلى الأمام والخروج من الحكومة ليعود إليها بطرق ملتوية لكن حرصا على التغلغل الناعم في دهاليز الدولة..أقول ذلك على هامش المقالة التي حاول الغنوشي ان يخاطب من خلالها الرأي العام أو قل النخب السياسية الغربية.. لقد اتخذ حزبه قرارا بفصل السياسي عن الدعوي، ولكن لكي يمنح دعوته هذه إشعاعا دوليا عاد ونشر مقالته بالإنجليزية في مجلة فورين أفيرز: "من الإسلام السياسي إلى المسلمين الديمقراطيين: حزب النهضة ومستقبل تونس"..مقال فيه الكثير من المغالطات والبجاحة بأمر كانوا يحاربونه اعتقادا وليس كما يدعي لظروف القمع والديكتاتورية..إنّ مغالطات الغنوشي هنا كثيرة واحدة منها أنّ هذا ليس حصيلة تطور وتجربة بل حصيلة تنفيذ مطالب مسبقة سبقه إليها تنظيمات كثيرة، وأنها حالة هروب للتميز عن سائر التنظيمات التي اعتمدت عليها النهضة حتى في الانتخابات وداهنتها إلى حين ، يعني الحركة السلفية التي سبق ونصحها الغنوشي بتقاسم العمل معه: أي أن يأخذوا هم مجال التربية والدعوة وهم يأخذون السياسة.. كما أنّ المغالطة الأخرى هي أنّه لا وجود لصلة منطقية بين القمع وبين اختيار عقائدي..ففي هذه المقالة حاول الغنوشي أن يستغفل الرأي العام بالقول أنّ تأسيسهم للحركة الإسلامية يومها كان نابعا من الدفاع عن الدين، والآن آن الأوان لإعلان صيغة "مسلمون ديمقراطيون"، وهو هنا يسعى للتماهي مع " التيار المسيحي الديمقراطي" طلبا للمقبولية..
فصل الدعوي عن السياسي خدعة غنوشية منقولة ومكررة لطشها لطشا من تجارب غيره، لأنه أدرك أن مصيره سيكون مصير مرسي..وهو إذ يفعل ذلك يزايد على بعض التجارب فيما يغيّب تجارب أخرى..اعتبر الغنوشي أن تجربتهم تختلف عن بعض التجارب التي تعاني الحكم العسكري والديكتاتورية مشيرا إلى سوريا والعراق، مع أنّ في سوريا لا زالت حركة الإخوان المسلمين السورية حليفا مقربا لحزب النهضة..أما في العراق فلقد أخفى الغنوشي أن الكثير من الأفكار والمفاهيم التي حاول من خلالها تحقيق مراجعاته هي من مصادر الحركة الإسلامية في إيران والعراق ولبنان..عملية إخفاء تجارب سابقة هنا واضحة، وقد لفت انتباهي بعض الكتاب السودانيين الذين أشاروا إلى استبعاد الغنوشي لتجربة السودان وتأثير الراحل حسن الترابي على فكره، حتى أنّ عنوان " الاتجاه الاسلامي" التي أطلقها الغنوشي وعبد الفتاح مورو على حركتهم في بداية الثمانينيات هي اقتباس من عنوان أطلقه أتباع حسن الترابي على تنظيماتهم وفروعهم في الجامعات..لم يشر الغنوشي في مقالته بفورين أفيرز لهذه التجربة ليس فقط بسبب إخفائه لنموذج سيضعه أمام مفارقة: براغماتية حسن الترابي بالإضافة إلى موقف الغرب من التجربة السودانية..وعليه كنت أشعر بأنّ الغنوشي سرق تجربة الدكتور حسن الترابي ولوّح بها حينما قال بأن حركة النهضة هي الأكثر تأثيرا في الحركات الإسلامية العربية..الغنوشي كان مريدا صغيرا أمام حسن الترابي..ولقد سعيت لولا أن الموت تدارك د. حسن الترابي إلى مشروع دحض هذه اللعبة الغنوشية تحديدا من خلال مقترح إخراج حسن الترابي من زواريب الشأن السوداني وعودته إلى الساحة العربية، وذلك حين قلت له: لقد غبت وأصبح تلامذتك يصولون ويجولون في المنطقة، أقصد الغنوشي..اختفى الترابي عن المشهد واستغل الغنوشي هذا الغياب لينسب كل هذه المفهمات الجديدة إلى نفسه.. لأنّني أدركت أنّ الغنوشي صاحب نزعة للطغيان والسرقات الأدبية والقابلية للانخراط في مشاريع تخريبية مقابل السلطة.. ومن ذلك موقفه بالغ السفه من القضية السورية حيث تبنّى الموقف الإخواني برمته لكنه جيّره باسم الديمقراطية التي تحولت إلى لغو سياسوي في خطاب الغنوشي..موقف يستدعي تدخّل الاستعمار ويمنح فرصة للرجعية في أن تقيم نموذج اللاّدولة في سوريا..لم يقل الغنوشي شيئا يزعج إسرائيل ولكنه في كل تصريحاته همز ولمز في خيارات المقاومة في المنطقة..
كان الغنوشي ضيفا على السودان..وكان بإمكانه أن يكون له مكتبا هناك..ولكنه لم يكن ذلك يخدم طموحه..فوجوده إلى جانب حسن الترابي لن يخرجه من حالة المريدية..راح إلى لندن ثم لم يعد كما كان متوقّعا..هناك حيث بدأت ملحمة شراء الذّمم..ما أخفاه في لندن ظهر اليوم في تونس بفعل حرارة السلطة..هل يا ترى التطور في الأفكار يتحقق بعد أن يقضي الشيخ العقد السابع في الإلتباس؟ هل يا ترى وصلوا متأخرين؟ أم هو التدليس والهروب إلى الأمام؟ مثل هذا حصل في مثال حزب العدالة والتنمية في المغرب الذي انتقل من حزب إسلامي إلى جزب بمرجعية إسلامية إلى حزب وطني وكفى، وطبعا في إطار الفصل بين السياسي والدعوي، في الوقت الذي لا زال الدعوي يأتمر بسلطة السياسي، بمعنى نقلوا المعادلة من تحكم موقفهم الديني في اختياراتهم السياسية إلى تحكم موقفهم السياسي في مبادئهم الدينية ، مما يجعل الأمر أخطر...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/07



كتابة تعليق لموضوع : الغنوشي سارق أفكار حسن الترابي، يدلّس في الـ"فورين أفيرز"....
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net