صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

سامراء بين جون أوهارا وغابريل غارسيا ماركيز!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الروائي (جون أوهارا) كتب روايته الشهيرة " موعد في سامراء" عام 1938 ونال بسببها شهرة واسعة , ولا تزال هذه الرواية تسجل رقما عاليا في مبيعات الكتب. 

 

والروائي المعروف (غابريل غارسيا ماركيز) كتب قصته القصيرة " الموت في سامراء".

 

وكلاهما قد إنطلقا في إبداعهما من القصة المسطورة في كتب التراث البغدادي بعد القرن الثامن , والتي تتلخص في أن أحد التجار قد أرسل خادمه إلى السوق , فعاد مرعوبا مرتعشا وهو يقول بأنه رأى الموت  في إمرأة تصورها الموت بعينه , وقد أوحت له بإشارات ذات تهديد ووعيد , والبعض يقول أن سيده قد أعطاه الفرس والمال وأرشده للذهاب إلى سامراء هربا من الموت الذي تيقنه , والبعض يقول أنه أخذ فرس سيده وإنطلق إلى مدينة سامراء خشية الموت وهربا منه.

 

لكنه وجدها أمامه في المساء عند وصوله إلى سوق المدينة , وعندما سألها لماذا توعدته وهددته بالموت في سوق بغداد , أجابته بأنها لم تكن إشارات تهديد ووعيد , وإنما دهشة وحيرة , وبأنها إستغربت من وجوده في بغداد لأنها على موعد معه في سامراء, أي أن الرجل قد قضى نحبه في سامراء. 

 

وخلاصتها أن لا مفر من الموت إذا جاء موعده, ويمكن أخذها إلى مستويات أخرى من التعليل والتفسير والإدراك والتحليل.

 

وقد أدرك الكاتبان أهمية المدينة ودورها التأريخي والفكري والثقافي , وما قدمته من عطاءات حضارية وإسهامات فلسفية ثقافية ذات قيمة إنسانية خالدة. 

 

ولو لم تكن المدينة بهذا الثقل الإنساني والإسطوري لما اختار الكاتبان إسمها كعنوان لما أجادت به قرائحهما من الإبداع الأصيل.

 

وقد أخذ كل منهما المعاني والدلالات وفقا لإجتهاده في وعي المدينة ودراستها والإمعان في إستلهام أفكارها وإبداعاتها العمرانية والخيالية. 

 

فقد تحقق في سامراء ما لم يتحقق في أية مدينة في الأرض , لأنها كانت عاصمة للدولة العباسية في أوج تألقها , وتوهجها الإمبراطوري والفكري والحضاري والعمراني , فكانت المدينة تهيمن على ثلاثة قارات وتدير شؤونها وتقرر مصير وجودها.

 

وإسم " سر من رأى" كان التعبير الأصدق عن قدرات الدولة العباسية وشأنها العظيم في ذلك الزمان الذي إمتلكته وتسيّدت فيه ,  وقد تحققت ملاحم فريدة في الوقت الذي كانت قوة الدولة العباسية بأكملها تتمركز في مدينة سامراء.

 

وكعادتنا مع جميع المدن العراقية الحضارية , نعيش في مراحل تجهيل وأمية متوارثة عبر الأجيال , فثقافة المدينة مغيبة في مناهجنا الدراسية , فكنا نعرف عن مدينة ديترويت الأمريكية أكثر مما نعرفه عن مدينة سامراء العراقية.

ولا توجد حصة دراسية واحدة في مناهجنا الدراسية على مدى القرن العشرين تتحدث عن دور المدينة وقيمتها ومعانيها الإنسانية , ولكننا كنا نمر عليها بعجالة وإهمال , وكأنها بلا قيمة ودور تأريخي أو حضاري.

 

ولهذا لم نقدم أي إبداع أدبي أوثقافي أصيل من رحم المدينة ومسيرتها المنيرة عبر التأريخ, ولم نكن بالدراية الكافية عن هذه الجوهرة الأثرية والدرة العالمية , لكن غيرنا في أصقاع الدنيا يعرفونها أكثر منا , ولهذا إستلهموا منها خمائر إبداعهم الذي توهج وسطع.

 

فرواية "موعد في سامراء" لازالت بمقروئية عالية وحاضرة في أسواق الكتب رغم أنها قاربت على الثمانين عاما.

 

وما يجب أن ندركه من هذين الإبداعين (الرواية والقصة) لكاتبين أجنبيين , أن علينا أن نرعى ثقافة المدينة , وأن نساهم في إحياء المعرفة الوطنية لكي تتجدد روح التفاعل الوطني الخلاق ما بين أبناء الوطن الغني بمناهل الصيرورات المعرفية الفياضة.

 

فهل سنعرف مدن بلادنا , أم أننا سنبقى في إستكانتنا المريرة للأمية الوطنية , والتجهيل الدائم بمدننا ودورها الحضاري؟!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/23



كتابة تعليق لموضوع : سامراء بين جون أوهارا وغابريل غارسيا ماركيز!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net