@ قبل 14 سنة .. كانت أرى سيداً معمماً لا أعرفه جيداً .. وقد قيل لي أنه جاء للتو وإستقر في النجف الأشرف بعد مطاردات البعث الصدامي لعائلته وإخوته لسنوات طويلة ..
@ كان هذا السيد من عائلة ( الهندي ) العائلة النجفية العريقة التي انجبت العلماء والشعراء .. فأبيات جده السيد رضا الهندي وهو يخاطب الأمير عليه السلام في قصيدته الكوثرية التي لاتزال ترصع جبين الأدب الشيعي :
أمفلج ثغرك أم جوهر .. ورحيق رضابك أم سكر
قد قال لثغرك صانعه .. إنا أعطيناك الكوثر
والذي قال أيضاً في رثاء الحسين عليه السلام :
صلت على جسم الحسين سيوفهم * فغدا لساجدة الظبا محرابا
ومضى لهيفا لم يجد غير القنا * ظلا ولا غير النجيع شرابا
ظمآن ذاب فؤاده من غلة * لو مست الصخر الأصم لذابا
لهفي لجسمك في الصعيد مجردا * عريان تكسوه الدماء ثيابا
@ وقيل لي يومها أن هذا السيد ( علاء الموسوي الهندي ) بارع في الفقه والأصول والعقائد .. وقد أثر في نفسي أسلوبه الشيق والنقاط الحساسة المعاصرة التي يثيرها في الدرس .. وبالتالي تشرفت بدرسه في كتاب ( أصول الفقه ) للعلامة الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره .
@ ما لفت إنتباهي ( إضافة الى تحدثه بثلاث لغات ) هو نظرته الحديثة ..ومعرفته الواسعة بالأوضاع .. وطبيعته المؤسساتية والاكاديمية .. فهو لايتحرك بشكل عشوائي ولايهدر دقيقة من وقته دون تأسيس مدرسة هنا أو دار للأيتام هناك ..
@ كان شديد الحرص على العقيدة ولايتهاون فيها ابداً .. ولكنه في ذات الوقت كثير الملاطفة والمجاملة لبقية المذاهب والأديان ..
في إحدى المرات إستوقفته على باب مدرسته ( مدرسة صاحب الأمر عجل الله فرجه ) في محلة البراق في النجف القديمة ( نفس المحلة التي يقع فيها بيت سماحة السيد السيستاني دام ظله ) وطلبت منه النظر في كتاب بسيط كتبتهُ عن خطبة الزهراء عليها السلام ..
@ تصفح الكتاب .. وبخبرته الطويلة عرف أين الخلل .. فقال :
أحسنت .. ولكن لهجة الموضوع الفلاني قد تثير بقية المذاهب .. والشيعة ليسوا في صدد إثارة الخلافات خصوصاً في هذا الوضع الحساس الذي يعيشه العراق .
وأتذكر أن كلامه كان بالتحديد عن قولها سلام الله عليها ( فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ونعم الحكم الله .....)
قلت له : سيدنا أنتم تقولون ذلك مع كل مانسمعه منكم من مناقشات عقائدية في درسكم الكريم ؟!!
الحقيقة أنه نظر إلي بنظرة إستغراب حتى خجلت من سخافة تفكيري .. وقال : عزيزي ما أبعد الفرق بين الدرس الذي نلقيه في أروقة علمية .. والكتاب الذي تريد طبعه ونشره ؟!
ثم أردف قائلاً : بحسب إطلاعي هناك من يريد بكل ثمن تصوير الشيعة كطائفة عاجزة عن إستيعاب بقية الطوائف والتعايش معها .. وبالتالي فلا ثمرة ولا فائدة من كونهم الأغلبية في هذا البلد .. هذا أمر تعرفه المرجعية وتتصرف على أساسه .. للحفاظ على كرامة المذهب .. وسمعة خط أهل البيت عليهم السلام .
يجب أن نكون متوازنين .. فلانفرغ تراثنا من محتواه .. ولا نقيس مافيه على كل زمان مجرداً عن ظروفه .
@ ومنذ ذلك اليوم مشيت في كل كتاباتي على هذا النمط المتوازن ببركة نصيحة الأستاذ ..
وعندما سمعت قبل أيام أنه زار الفاتيكان وإلتقى قداسة البابا .. عرفت أن السيد علاء لن يعود خالي الوفاض من دون أن يرفع رأس الشيعة عالياً .. لأنه إبن هذا الميدان .