صفحة الكاتب : ابو فاطمة العذاري

وقفة بين يدي الإمام الباقر (عليه السلام) في ذكرى شهادته الحلقة الثانية
ابو فاطمة العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لقب «الباقر»، قيل: لتبقّره في العلم، أي توسّعه فيه. أو لتبحّره فيه، أو لشقّه للعلم حيث بقرَه فعرف أصله واستنبط فرعه. وقيل: لُقّب بالباقر لغزارة علمه، وبذلك لقّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله، مُخبِراً جابر بن عبدالله الأنصاريّ، وباعثاً إليه سلامه.
أمّا ألقابه الأُخرى فهي: الشاكر لله، والهادي، والأمين، والشبيه؛ إذ كان عليه السّلام يشبه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهو ربع القامة رقيق البشرة، ضامر الكشح، حسن الصوت.
كانت مدّة إمامته تسعة عشر عاماً، بعد أن عاش مع جدّه الإمام الحسين عليه السّلام أربع سنين، وشهد واقعة كربلاء. وعاش في ظلّ أبيه السجّاد عليه السّلام ثمانيةً وثلاثين عاماً ومن اشهر أصحابه ورواته: زُرارة بن أعيَن، وأبو بصير الأسديّ، وفُضَيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم، ويزيد بن معاوية العِجليّ، وجابر بن يزيد الجُعفيّ، وحُمران بن أعيَن، وبُكير بن أعيَن، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيغ، وأبو هارون المكفوف، والكُميت بن زيد الأسديّ.. وغيرهم.
ومن شعراؤه : السيّد الحِميَريّ، والكُميت بن زيد الأسديّ وأخوه الورد الأسديّ.
و بوّابه : جابر بن يزيد الجُعفيّ.
واهم الوقائع المشهورة في حياة الإمام الباقر عليه السّلام التي حضرها وعاشرها :
1ـ حضوره عليه السّلام ـ وهو في الرابعة من عمره الشريف ـ في واقعة الطفّ بكربلاء، وشاهد مقتل جدّه سيّد الشهداء عليه السّلام وباقي الشهداء وشاهد السبا وأسره وأسر أبيه وعمّات أبيه والنساء والأطفال وأخذهم إلى الكوفة ثمّ إلى الشام، ثمّ إلى كربلاء فالمدينة، وكان ذلك سنة 61 هجريّة.
2ـ في سنة 95 هجريّة استُشهد أبوه الإمام عليّ السجّاد عليه السّلام، فقام بتجهيزه ودفنه.
3 ـ علّم عليه السّلام عبدَالملك بن مروان سكَّ الدراهم والدنانير الإسلاميّة، فردّ مكيدة ملك الروم وتهديده، في قصّة ظريفة نقلها البيهقيّ في «المحاسن والمساوئ»، وكان ذلك سنة 76 هجريّة.
4 ـ اُحضر هو وابنه الإمام جعفر عليهما السّلام إلى الشام قهراً مِن قِبل هشام بن عبدالملك، ليكون تحت رقابة السلطة الاُمويّة.
من كرامات باقر العلوم :
عن محمّد بن مسلم قال: خرجتُ إلى المدينة وأنا وَجِع، فقيل له ( أي للإمام الباقر عليه السّلام ): محمّد بن مسلم وَجِع. فأرسل إليّ أبو جعفر عليه السّلام إناءً مع غلام، مغطّى بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربْه؛ فإنّه أمرَني ألاّ أبرحَ حتّى تشربه.
فتناولته.. فإذا رائحة المِسْك منه، وإذا شراب طيّبُ الطعم بارد، فلمّا شربتُه قال لي الغلام: يقول لك مولاي: إذا شربتَه فتعال. ففكّرت فيما قال لي وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رِجْلي، فلمّا استقرّ الشراب في جوفي، فكأنّما أُنشِطتُ مِن عِقال، فأتيتُ بابه فاستأذنتُ عليه فصوّت بي: صحّ الجسم، أُدخُلْ. فدخلتُ عليه وأنا باكٍ، فسلّمت عليه وقبّلت يده ورأسه، فقال لي: وما يُبكيك يا محمّد ؟ فقلت: جُعلت فداك، أبكي على اغترابي وبُعد شقّتي وقلّة القدرة على المُقام عندك أنظر إليك. فقال لي: أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل اللهُ أولياءَنا وأهلَ مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً. وأمّا ما ذكرتَ من الغُربة.. فإنّ المؤمن في هذه الدنيا لغريب، وفي هذا الخلق منكوس حتّى يخرجَ مِن هذه الدار إلى رحمة الله. وأمّا ما ذكرتَ مِن بُعد الشُّقّة، فلَك بأبي عبدالله عليه السّلام ( أي الإمام الحسين سلام الله عليه ) أُسوة، بأرضٍ نائية عنّا بالفرات. وأمّا ما ذكرتَ مِن حُبِّك قُربَنا والنظرَ إلينا، وأنّك لا تقدر على ذلك، واللهُ يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.
وروي عن عليّ بن أبي حمزة وأبي بصير قالا: كان لنا موعدٌ على أبي جعفر عليه السّلام، فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى، فقال: يا سكينة هلمّي المصباح. فأتت بالمصباح، ثمّ قال: هلمّي بالسفط الذي موضع كذا وكذا ( السفط: وعاء تُوضع فيه الأشياء ).
قال: فأتته بسفطٍ هنديٍّ أو سنديّ، ففضّ خاتمه، ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء.. فأخذ يُدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها، حتّى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ، فارتعدت فرائصي، حتّى خفتُ على نفسي، فلمّا نظر إليّ في تلك الحال وضع يده على صدري فقال: أبَرِأْتَ أنت ؟ قلت: نعم جُعلتُ فداك، قال: ليس عليك بأس.
ثمّ قال: أُدنُ. فدنوت، فقال لي: ما ترى ؟ قلت: اسمي واسم أبي وأسماءَ أولادٍ لي لا أعرفهم! فقال: يا عليّ، لولا أنّ لك عندي ما ليس لغيرك ما اطّلعتُك على هذا، أما إنّهم سيزدادون على عدد ما ها هنا.
قال عليّ بن أبي حمزة: فمكثتُ ـ والله ـ بعد ذلك عشرين سنة، ثمّ وُلِد لي الأولاد بعد ما رأيتُ بعيني في تلك الصحيفة.
وروي عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض الأصحاب، عن عمر بن حنظلة قال:
قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة.
قال: أجل.
قلت: فإنّ لي إليك حاجة.
قال: وما هي ؟
قلت: تعلّمني الاسمَ الأعظم.
قال: وتُطيقه ؟!
قلت: نعم.
قال: فادخل البيت. فدخلت.. فوضع أبو جعفر عليه السّلام يده على الأرض فاظْلمّ البيت، فأُرعِدتْ فرائصي، فقال: ما تقول .. أُعلِّمُك ؟ فقلت: لا. فرفع يده، فرجع البيت كما كان.
وروى الحضينيّ بإسناده عن محمّد بن مسلم الثقفيّ، عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام.. قال محمّد بن مسلم: كنتُ عنده ذات يوم إذ وقع عليه ورشان وهَدَلا هديلَهما، فردّ عليهما أبو جعفر عليه السّلام بمِثله، فلمّا طارا على الحائط هدل الذَّكَر على الأُنثى، فردّ عليه أبو جعفر عليه السّلام هديلاً لا يعرفه الناس. ثمّ نهضا.. فقلت: جُعلتُ فداك، ما قال هذا الطائر ؟ قال: يا ابن مسلم، كلُّ شيءٍ خلَقَه اللهُ مِن بهيمةٍ أو طائر وما فيه الروح، أسمعُ لنا وأطوع من بني آدم، إنّ هذا الورشان أتاني وشكا لي مِن زوجته، وقد كان ظنّ بها ظنَّ سوء، فحلَفتْ له فلم يقبل، فقالت له: بمَن ترضى ؟ فقال: بمحمّد بن عليّ، فقال: رضيت.
فأقبلا إليّ فأخبراني بقصتهما، فسألتها عمّا ذكر، فحلفَتْ لي بالولاية أنّها ما خانَتْه، فصدّقتُها فنهيتُه عن تهمة زوجته، وأعلمته أنّه ظالمٌ لها؛ فإنّه ليس من بهيمةٍ ولا طائرٍ يحلف بولايتنا إلاّ أبَرّ، إلا بني آدم، فإنّه حلافٌ مهين، لا يعرفنا حقَّ معرفتنا إذا حلف بحقّنا كاذباً.
وعن أبي بصير قال: كنت مع الباقر عليه السّلام في المسجد؛ إذْ دخل عمر بن عبدالعزيز عليه ثوبان ممصّران، متّكئاً على مولىً له. فقال عليه السّلام: لَيَلينَّ هذا الغلام، فيُظهر العدل، ويعيش أربع سنين ثم يموت.. فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء. فقلنا: يا ابن رسول الله، أليس ذكرتَ عدله وإنصافه ؟ قال: لأنّه يجلس في مجلسٍ لاحقَّ له فيه.
ثمّ ملك وأظهر العدل جهدَه!
وروى الطبري الإمامي قال: عن أبي حازم يزيد غلام عبدالرحمان قال:
كنتُ مع أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام بالمدينة، فنظر إلى دار هِشام بن عبدالملك التي بناها بأحجار الزيت ( موضع بالمدينة )، فقال: أما ـ واللهِ ـ لتُهدَمنّ، أما ـ واللهِ ـ لتبدونّ أحجارُ الزيت، أما ـ واللهِ ـ إنّه لموضعُ النفس الزكيّة.
فسمعتُ هذا منه وتعجّبت، وقلت: مَن يهدم هذه الدار وهشام بناها ؟! فلمّا مات هشام بعث الوليد مَن يهدمها، فهدَمَها ونقلها حتّى بدرت أحجار الزيت!
وحدّث سفيان عن وكيع، عن الأعمش أنّه قال: قال لي المنصور ـ أي أبا جعفر المنصور ـ: كنتُ هارباً مِن بني أُميّة أنا وأخي أبو العبّاس.. فمررنا بمسجد المدينة ومحمّد بن علي ( الباقر ) جالس، فقال لرجلٍ إلى جانبه. كأنّي بهذا الأمر وقد صار إلى هذين.
قال المنصور: فأتى الرجل فبشَّرَنا به، فمِلْنا إليه وقلنا: يا ابن رسول الله، ما الذي قلت ؟! فقال: هذا الأمر صائرٌ إليكم عن قريب، ولكنّكم تَسوؤون إلى ذريّتي وعترتي، فالويل لكم عن قريب!
قال المنصور: فما مضت الأيّام حتّى تملّك أخي وتملّكتْها.
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السّلام قال: مرض أبو جعفر عليه السّلام مرضاً شديداً فخِفْنا عليه، فقال: ليس علَيّ مِن مرضي هذا بأس. قال: ثمّ سكت ما شاء الله، ثمّ اعتلّ علّةً خفيفة فجعل يوصينا، ثمّ قال: يا بُنيّ، أدخِلْ علَيّ نفراً مِن أهل المدينة حتّى أُشهدهم. فقلت: يا أبتا، ليس عليك بأس، فقال: يا بُنيّ، إنّ الذي جاءني وأخبرني أنّي لستُ بميّت في مرضي ذلك، هو الذي أخبرني أنّي ميّت في مرضي هذا.
و عن عبدالله بن العلا، عن جعفر الصادق عليه السّلام قال:
كنتُ مع أبي وبيننا قوم من الأنصار، إذ أتاه آتٍ فقال له:
ـ إلْحَقْ؛ فقد احترقتْ دارك!
فقال: يا بُنيّ ما احترقت.
فذهب ثمّ لم يلبث أن عاد فقال: قد ـ واللهِ ـ احترقت دارُك!
فقال: يا بُنيَّ ـ واللهِ ـ ما احترقت.
فذهب.. ثمّ لم يلبث أن عاد ومعه جماعة من أهلنا وموالينا يبكون ويقولون: قد احترقت دارك. فقال: كلاّ ـ واللهِ ـ ما احترقت، ولا كَذِبتُ ولا كُذِبت، وأنا أوثقُ بما في يدي منكم وممّا أبصرَتْ أعينُكم.
وقام أبي وقمتُ معه.. حتّى انتَهَوا إلى منازلنا والنارُ مشتعلة عن أيمان منازلنا وعن شمائلها ومن كلّ جانبٍ منها، ثمّ عدَلَ ( أي الإمام الباقر عليه السّلام ) إلى المسجد فخرّ ساجداً.. وقال في سجوده: وعزّتِك وجلالك، لا رفعتُ رأسي مِن سجودي أو تُطفيها.
قال ( الصادق عليه السّلام ): فوَاللهِ ما رفعَ رأسَه حتّى طُفِئت، واحترق ما حولها، وسَلِمتْ منازلنا. ثمّ ذكر عليه السّلام أنّ ذلك لدعاءٍ كان قرأه عليه السّلام.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو فاطمة العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/14



كتابة تعليق لموضوع : وقفة بين يدي الإمام الباقر (عليه السلام) في ذكرى شهادته الحلقة الثانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net