قطعوا الماء عنهم حتى جفت وتشققت شفاههم, نحروا طفلا رضيعا بسهم مسموم, فقط لأنه يبكي من اجل الماء, قتلوا الرجال والشيبة, وعلقوا رؤوسهم على رماح عالية, هشموا رأس العباس وقطعوا كفيه, جثى الشمر على صدر الحسين, قال له: (اقتلك يا حسين بغضا بأبيك علي), ثم نحر الحسين العطشان من القفا, حتى يتألم اكثر قبل الموت, لم يتوقف جيش يزيد, الذي كان يقوده عمر ابن سعد, حيث حرقوا الخيام على النساء والاطفال, واخذوا النساء الهاشميات, حفيدات الرسول.. سبايا الى الشام.
بعد الف وثلاثمئة وثلاثة وعشرون سنة من واقعة الطف, تحديدا في عام 2003, عندما تخلص العراق من دكتاتورية صدام, اعادوا الطائفية فيه, وبدأت المجازر بحق الشيعة, اشلاءهم في التقاطعات, واجسادهم تحت العربات, والسيطرات الوهمية تقطع الرؤوس على الهوية, كانت الاموال تدخل من دول الخليج, ومعها ترفع السيوف, حتى وصل سعر رأس الشيعي منا الى 10 دولار, ومن يفخخ نفسه ليفجرها في جامع لأتباع علي, كان ينادي الله اكبر, ليقتلنا ويتغدى مع الرسول! كانوا يقتلوننا بإسم الدين, دينهم الذي فصلوا مقاساته على اجساد الشيعة, لم يريدوا ان نكون شركاء معهم في وطننا, وعند كل رأس يقطع لنا, كنا ننادي بلسان مرجعنا "السنة انفسنا".
لم تنتهي القصة في العراق, كان يجب ان تكون اكثر دموية, رواية من روايات اجاثا كرستي, عنوانها "دجلة بدماء الشيعة", والمكان معسكر سبايكر, شباب لم تتجاوز اعمارهم العشرين, نقلوهم بعربات الى مقصلتهم كأهم اكباش, لأنهم يصلون على طريقة الشيعة, بعضهم قطعوا رؤوسهم في قصور تكريت, وتقول احدى النساء الارهابيات, انها قتلت شاب بصخرة؟! بعد ان وضعت رأسه على صخرة! كان يستحق القتل لأنه شيعي, كانوا ينادون قادمون يا كربلاء, كأنهم يريدون الحسين مرة اخرى!
التاريخ يعيد نفسه بصور أكثر مأساوية, وهذه المرة في الساحل السوري, عن طريق عصابات الجولاني.. الطفل المدلل للإخوان المسلمين, ارهابي كان يذبح الابرياء بإسم الدين, وبدأ يقتلهم بإسم الدولة, لكن يبقى السؤال, من القتلى؟
منذ اربعة ايام والارهاب الإخواني يجوب الساحل السوري, ينادي "اين العلويين" جئناكم بالذبح قاصدين, ولن يسلم منا لا الكبار ولا الاطفال القاصرين, وبدأت مذابح الجولاني.. عوائل تذبح في بيوتها, اطفال تعدم على ارصفة الشوارع, والنساء لا حرمة لها, يسلبون الرداء ويُغتصبون, ثم بالسيف ينحرون, فقط لأنهم علويين, يقتلونهم ويصرخون "قادمون يا كربلاء".
تطهير عرقي يمارس بحق العلويين في سوريا, بأموال تركيا وقطر يذبح الاطفال, والاعلام العربي اصابه العمى, لا يسمع لا يرى لا يتحدث, لأن من يقتلون هم يحبون علي, ويُترك ضحاياهم لمصيرهم, وسط تجاهل وصمت دولي مدوٍّ.
ان المأساة التي تعيشها المجتمعات الشيعية في العالم كبيرة، فهي تعرّضت ولا تزال تتعرض, لاضطهاد واسع النطاق من قبل الجماعات المتطرفة, التي تسعى إلى استئصالها من النسيج الوطني, في المقابل، تتخذ بعض الدول العربية مدعية الإسلام مواقف انتقائية، تبيح الجهاد والقتل ضد الشيعة, وتلتزم الصمت عن مجازر الكيان الصهيوني ضد غزة, كأنهم صهاينة اكثر من اسرائيل ذاتها!
هذا التلاعب السياسي سيجعل الحرب في سوريا صراعا طويل الأمد، حيث لا توجد إرادة حقيقية لإنهائه، بل هناك فقط محاولات لإدارته بما يخدم مصالح الأطراف الفاعلة, أما الضحايا العلويين، فهم مجرد أرقام في تقارير الأمم المتحدة، وسينساهم التاريخ وسينادي شيعة سوريا " السنة انفسنا".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat