صفحة الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني

قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي ح5ق2/رائد عبد الحسين السوداني
رائد عبد الحسين السوداني
مهداة إلى الكاتب صائب خليل مع التحية :
بعد أن استعرضنا في القسم الأول من الحلقة الخامسة ممارسات ومفاهيم السياسيين العراقيين حول طائفة كبرى في العراق (الشيعة) وكيفية استخدام القبضة ذات القفازات الحديدية متمثلا بثنائي فيصل – عبد المحسن السعدون ويقف خلفهم بطبيعة الحال المندوب السامي البريطاني ودوائره المحيطة به ،نستعرض اليوم الثنائي (ونعتمد أيضا على كتاب حكم الأزمة :لكاتب هذه السطور مثلما كان في القسم الأول) المكمل له والأخطر في أثره على الأجيال العراقية من بدء قيام الحكومة العراقية على يد بريطانيا وهو بقبضة ذات قفزات مخملية لو صح التعبير وأعني به ثنائي فيصل – ساطع الحصري ومشروعهما المبني والمستند على مبدأ القومية الطائفية فقد وضع مناهج للتعليم لا تركز على حب العراق كبلد وحضارة مثلما تؤكد على التمسك بحب البلدان العربية ،وقد كان ساطع الحصري المحرض على سياسة المكافحة الثقافية التي طالت الشيعة ،بالتوازي مع سياسة الإبعاد السياسي والإداري في العراق ،علما إن الحصري جاهلا جهلا تاما بتشكيلات المجتمع العراقي عموما ،كما إنه يجهل ،أو يتجاهل متعمدا في حقيقة الأمر ،العلاقة بين الشيعة في العراق والشيعة في إيران واعتبر ولاء الكل لإيران،ومن المعروف أن الفقه الشيعي يعتمد على الاجتهاد ،والمجتهد له من يتبعه في الأمور الدينية ،وغالبا ما يكون هذا التابع الذي يُدعى بالمقلد من غير البلد الذي يسكن ،أو ينحدر منه المجتهد الفقيه ،وهنا تكمن الإشكالية التي أحدثها الإنكليز ،وبالذات المس بيل حول إن الشيعة وعلماء الشيعة لهم ميول فارسية ،واتخذوها فيما بعد حجة على كل صوت شيعي معارض للسياسة التي اتبعها فيصل بتوجيه من الإنكليز بأن هذه المعارضة نابعة من توجهات وولاءات لإيران ،مهما يكن أصل هذا المعارض .أما ساطع الحصري فقد ذكر عنه الدكتور فرهاد إبراهيم في كتابه الطائفية والسياسة في العالم العربي إنه "ظل على مدى فترة إقامته بالعراق رجل ثقافة بارد .ليس له أصدقاء مقربين .فقد كان غربيا وعلمانيا بدرجة زائدة في بلد كان يُعد عبارة عن إقليم صغير في الدولة العثمانية ...ولم يكن اعتراض الشيعة على جهود الحصري لإنشاء نظام مدرسي دنيوي عربي قومي ،ولكن على سوء تقديره للدور القيادي للعلماء الشيعة ورفضه القاطع لأية علاقات خاصة للمجتمع الشيعي في إيران والعراق ،مما ترك لديهم انطباعا بأنه يكره الشيعة بوجه خاص .وقد ضغط الحصري على موضع الجرح بتلميحاته حول تأثير الفرس على الشيعة العراقيين حيث إنهم كانوا يرجعون العلاقات الخاصة بين الشيعة في إيران والعراق إلى أسباب دينية ويدافعون لذلك السبب "ولم يكن الحال مع ساطع الحصري عند الشيعة فقط بل تعداه إلى كل ما هو وطني ،أو متعلق بالتراث ،والحقيقة إذا أخضعنا موقف كل من كوكس ،وفيصل ،وساطع الحصري إلى تفكيك بسيط ،نجد إن الثلاثة كل مرتبط بالآخر ،فكوكس هو عنوان الاحتلال ،وفيصل صنيعة الاحتلال ،أما ساطع الحصري ،فهو عثماني التوجه والهوى ،وفرنسي الثقافة ،علماني وأضع خطا تحت هذه المفردة ، ،دعا إلى إيجاد قومية عثمانية بدلا عن القومية العربية ،وقد رفضهما بشدة ،وقد تحول فيما بعد إلى فيلسوف القومية العربية،أن الحصري كان في رأيه أنه بالإمكان أن يتم الوصول إلى الوطنية بانصهار جميع الأطياف الدينية والعرقية بالدولة ،لكنه عندما أصبح مديرا للمعارف لم يستطع قبول الآخر كشريك في البلد أو الدولة العراقية [ على إن الآخر هو من أبناء البلد ومنذ قرون،والحصري جديد جاء مع فيصل والمشروع البريطاني ] ،وأخذ يحدد الولاءات على الأشخاص لمجرد أنهم ينتمون إلى الطائفة المحكومة .ولا يختلف الحصري عن النقيب في تغيير الولاءات مثلا كلاهما عثماني التوجه ولكنهما غيرا وجهتهما لمجرد انتصار البريطانيين ،وعليه يكون من الطبيعي أن يبحث الثلاثة عن آلية فكرية تبعد بن البلد عن جذوره سواء الدينية أو الوطنية ،وكانت هذه الآلية هي فكرة القومية العربية ،المنسلخة تماما عن كل جذر عربي ،بل هي موتورة  ،وهنا يقول حسن العلوي عن الفكرة القومية في العالم العربي " أما في المجتمع العربي أو المجتمع الإسلامي فقد استنسخ الدعاة العلمانيون مقومات هذه الحركة وبدءوا بحملة انفصال عن الميراث الديني فأدى هذا إلى انفصال عن الميراث الديني فأدى هذا إلى انفصال الحركة القومية العربية عن ميراثها القومي ،باعتبار الإسلامي يشكل ركيزة التاريخ العربي واعتبار الثقافة الإسلامية هي المصدر الأكبر للثقافة العربية.
وعن هذا نجمت حالة غريبة فالمشروع القومي العربي،بسبب علمانيته ،أصبح يعيش بلا جذور قومية " ليس هذا فقط فهم أيضا أدخلوا العالم العربي في إشكالية كبرى لاسيما العراق الذي عانى كثيرا هو التمذهب القومي ،والقومية المذهبية ،أي بمعنى آخر إن القائمين والرعاة لفكرة القومية العربية يتبنون مذهبا إسلاميا واحدا للتعامل معه على إنه يمثل العرب والآخرين (الشيعة)فرس ،فساطع الحصري الذي ليس لديه معلومات دينية مسبقة حول الشيعة لأنه في الأصل طوال حياته علمانيا لكنه يعتقد إن شيعة العراق بالتحديد، هوية وانتماءا خاصا من الواجب استئصاله والتغلب على هذا الانتماء لصالح القومية العربية .
من أين جاء ساطع الحصري بهذه القناعة عن الشيعة في العراق ؟يمكننا الإجابة عن هذا التساؤل بالقول إن تنقل الحصري في ولائه بين العثمانيين والإنكليز هو السبب في وجود قناعته هذه ،فالعثمانيون وكما أشرنا في الحلقة الأولى كانوا يعدون مكافحة المذهب الإثني عشري جهادا في سبيل الله ،وأما الإنكليز عندما وصلوا إلى العراق فهم حملوا معهم مشروع التعاون مع أو إيجاد أفراد يحملون الفكرة القومية اليمينية ،وهؤلاء لا وجود للشيعة بينهم .إذاً ساطع الحصري أعطى مبايعته الإتجاهين ،ولم تأت أفكاره وممارسته التعليمية التي مارسها في العراق من فراغ ،أو عدم معرفة .يقول الدكتور أحمد جودة نجد أن سياسة ساطع الحصري قد سارت على أسس سلجوقية وعثمانية فخلال الاحتلال التركي السلجوقي لبغداد والذي أخذ على عاتقه مهمة التمييز بين المذاهب الإسلامية وحرمان المسلمين من غير مذهب السلطة حق التعليم وهي السياسة التي سار عليها العثمانيون وعانى منها العراق الكثير" وهذا جزء مهم بطبيعة الحال من السياسة الإستئصالية التي سار عليها ثنائي فيصل – الحصري لاسيما الأخير على الرغم من التأكيد السابق إنه لا يفقه شيئا عن ماهية الشيعة لكنه ولاءا للعثمانيين أولا وتشبعه بالروح العثمانية ومن ثم التشبع بالولاء لفيصل وبالتالي لبريطانيا أنتجا لنا هذا الفكر القائم على أساس التمذهب القومي والقومية المذهبية ،وقد أنتجا بدورهما إشكالية أخرى تبرز عند هذا الثنائي حصراً أي فيصل – الحصري ،ففيصل بن الشريف الشريف حسين وأسرته لاسيما والده يعرفون أنفسهم من دعاة القومية العربية وهم من الحجاز ،وعرفوا أنفسهم كما عرّفهم كوكس بأنهم حاملي لواء العروبة ،لينالوا استقلالهم ،ويستعيدوا سيادتهم من الأتراك المحتلين وقد أصبح ملكا على العراق بفعل الاحتلال البريطاني ،أما ساطع الحصري صاحب نظرية القومية العثمانية التحق بفيصل في سوريا وتم استيزاره لمرتين ،ثم جاء معه إلى العراق وكونا ثنائيا تربويا يدعو إلى القومية العربية ،لكنهما في نفس الوقت يطالبان العراقي بأصله أو تبعيته العثمانية كي يثبت أصالته العربية والعراقية ،ولم يقتصر هذا الأمر على العهد الملكي من الحقبة البريطانية ،بل امتد إلى حقبة البعث العربي الاشتراكي الذي جرت في عهده حملات التسفير الكبرى في بداية سبعينيات القرن العشرين ،وبداية الثمانينيات منه أيضا حيث طالب بإبراز الوثائق العثمانية لإثبات أصالة الشخص ،من هذه الإشكالية تولدت إشكالية ضياع الهوية الوطنية ،وليس فقط الوحدة الوطنية ،كما ضيعت لنا إشكالية الانتساب إلى الأمة العربية وتمجيدها على حساب الانتساب إلى العراق إلى ضياع الهوية الثقافية العراقية .
تبقى إشكالية تخص ساطع الحصري ذاته وهو المفكر القومي العربي والمنظر الرائد للقومية العربية ، وتتمثل في عدم تمكنه من اللغة العربية حتى بلوغه الأربعين و تعيينه كمدير للمعارف في حكومة فيصل في سوريا الذي ولّد استياءا عند الشعب السوري جراء ذلك هذا ما يذكره الدكتور عبد الخالق حسين في مقال تحت عنوان دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية في العراق نشره موقع الحوار المتمدن الذي يؤكد فيه إنه مدعوما من قبل الإنكليز حيث أنيطت به مهمة نشر الطائفية ومعاداة الشيعة وكذلك الطعن في عروبتهم ولذلك كان كلامه فوق كلام الملك وليس فقط فوق كلام الوزير ولتعزيز هذه المفاهيم صدر أثناء ولايته في وزارة المعارف في عام 1931كتاب بعنوان (العروبة في الميزان) لكاتب يعمل في وزارة المعارف ينكر فيه عروبة الشيعة بل هم سليلي المجوس وفي العراق هم بقايا الساسانيين وإن ولائهم لإيران .هذا يعني إن البريطانيين لم يقتصر عملهم بالنهج الطائفي على النخبة السياسية بل امتد لخلق نشأ جديد مبني على القومية الطائفية الأقصائية في البلد وينكر وجود الآخر في البلد ويعتبره دخيلا .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائد عبد الحسين السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/21



كتابة تعليق لموضوع : قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي ح5ق2/رائد عبد الحسين السوداني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net