على ضفافِ الانتظار(20)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

أثرُ الذنوبِ في طولِ الغيبة
هل إنَّ ذنوبَنا تؤثِّرُ سلبًا في الظهور، بحيثُ يتأخّر لو زادتْ ذنوبنا؟
سؤالٌ يُردِّده العديدُ من المؤمنين، يكشفُ عن قلقهم ممّا قد يبدرُ منهم من ذنوب، ويحكي شوقًا للقاءِ إمامِهم (عجل الله (تعالى) فرجه) ولوعةً في قلوبهم أنْ يكونوا سببًا من أسباب تأخُّرِ الظهور المقدس.
وفي الحقيقة، أنَّ على المؤمن أنْ يلتفتَ إلى الحقائق التالية؛ ليكونَ على بيّنةٍ من أمره، وليعملَ على أنْ يكونَ عاملًا مساعدًا لتعجيلِ الظهور، وليس العكس.
الأمر الأول:
باتَ واضحًا أنَّ أيّ ذنبٍ يصدرُ من العبدِ فإنّه يثلمُ شيئًا من حصانته الإيمانية، ويأخذ جزءًا من نورانيته القلبية، وهو مفادُ ما رويَ عن أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: "كَانَ أَبِي (عليه السلام) يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْسَدَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَطِيئَةٍ، إِنَّ الْقَلْبَ لَيُوَاقِعُ الْخَطِيئَةَ، فَمَا تَزَالُ بِه حَتَّى تَغْلِبَ عَلَيْه فَيُصَيِّرَ أَعْلَاه أَسْفَلَه"
وهذا المعنى يعني: أنَّ المذنبَ يتأخّرُ خطوةً إلى الوراء –وربما خطوات-، ومن ثَمّ قد يصل إلى مرحلةٍ –بعد تراكم الذنوب- يكون فيها غيرَ مؤهَّلٍ للتمهيد للظهور، فيكون من أسباب تأخير الظهور.
والعكسُ بالعكسِ تمامًا، فإنَّ فعلَ الصالحاتِ ينعكس إيجابًا على قلبِ العبد، ممّا يُقرِّبه إلى الله (تعالى) خطوات، ولا شكَّ أنَّ الله (تبارك وتعالى) يحبُّ العبدَ الذي يتقرّبُ إليه، وبذا سيكون الباري جل وعلا) أقربَ إليه من أيّ موجودٍ آخر.
وعليه فإنَّ العبد إذا عمل الصالحات، مهّدَ لتقريبِ الظهور؛ لأنّه بذلك يحكي عن استعداده للمشاركةِ في عملية تطهير الأرض.
الأمر الثاني:
وباتَ واضحًا أيضًا من خلالِ النصوصِ العديدة أنَّ الأعمالَ تُعرضُ على أهلِ البيت (عليهم السلام)، فقد رويَ عن أبي عبد الله (عليه السلام): قوله: قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، قال: «هم الأئمَّة تُعرَض عليهم أعمال العباد كلّ يوم إلىٰ يوم القيامة»
وهذا المعنى يقتضي فيما يقتضيه: أنْ ينتبه المرءُ لكُلِّ تصرفاته، وأنْ يستشعرَ المراقبةَ الإلهية أولًا، وأنَّ اعمالَه تُعرض على أئمته (عليهم السلام) ثانيًا، وأنَّ الذنوبَ تؤذيهم بلا أدنى شك، وأنَّ الحسناتِ تسرّهم بلا ريب، وكُلّ واحد منّا يمكنُه أنْ يسرَّ إمامه أو أنْ يؤذيه.
فقد وردَ عن داود الرقّي، قال: دخلت علىٰ أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي: «يا داود، أعمالكم عرضت عليَّ يوم الخميس، فرأيت لك فيها شيئاً فرَّحني، وذلك صلتك لابن عمك...»
وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إنَّ أعمالَ العباد تُعرَض علىٰ نبيِّكم كلَّ عشية الخميس، فليستحي أحدكم أن تُعرَض علىٰ نبيِّه العمل القبيح»
وعن حفص بن البختري، عنه (عليه السلام)، قال: «تُعرَض الأعمال يوم الخميس علىٰ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلىٰ الأئمَّة (عليهم السلام)»
ولنتذكَّر دائما قوله جلَّ وعلا: بَلِ الْإِنْسانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ 14 وَلَوْ أَلْقىٰ مَعاذِيرَهُ 15
إذا تبيَّن هذا نقول:
لقد وردت بعض النصوص الدالة على أنَّ من أسباب الغيبة وطولها هو ما يصدر من المؤمنين من ذنوبٍ وأعمالٍ قبيحة، من قبيلِ ما جاء في مكاتبةِ الإمامِ المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى الشيخ المفيد (قدّس سره): «ولو أنَّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل»
ومن قبيل ما جاء في توقيعه (عجَّل الله فرجه): «قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومَنْ دينُه جناح البعوضة أرجح منه».
ونلفت النظر إلى أنَّ هذا يدفعنا إلى مزيدٍ من الحذر والتقوى والاهتمام بالأعمال الصالحة التي ترضي الله (تعالى) والمعصومين (عليهم السلام)، ولنضع نصب أعيننا قوله (عجَّل الله فرجه): «فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من بمحبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة».
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat