على ضفاف الانتظار(69)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

النُقَباء
(نقيب) هو العريف، وهو شاهدُ القومِ وضمينهم .
أو هو «كالعريف على القوم، المُقدّم عليهم، الذي يتعرَّفُ أخبارَهم ويُنقِّبُ عن أحوالهم، أي يُفتِّش» .
وقالَ الشيخُ الصدوق: النقيبُ الرئيسُ من العُرفاء، وقد قيل: إنّه الضمين، وقد قيل: إنّه الأمين، وقد قيل: إنّه الشهيدُ على قومه، وأصلُ النقيبِ في اللغةِ من النقبِ، وهو الثقب الواسع، فقيل: نقيبُ القوم؛ لأنّه يُنقِّبُ عن أحوالِهم كما يُنقِّبُ عن الأسرار وعن مكنونِ الإضمار.
وحتى يتضحَ المقصودُ منهم، نذكر النقاط الآتية:
النقطة الأولى: نقباء بني إسرائيل:
قال (تعالى): ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا﴾ .
وقد قيل في تفسير هذه الآية: إن فيها عدة آراء، هذه بعضها :
الرأي الأول: أمَرْنا موسى بأنْ يبعثَ من الأسباطِ الاثني عشر، اثني عشر رجلًا، كالطلائع، يتجسّسون، ويأتون بني إسرائيل بأخبارِ أرضِ الشام، وأهلِها الجبّارين، فاختارَ من كُلِّ سبطٍ رجلًا يكونُ لهم نقيبًا، أي: أمينًا كفيلًا، فرجعوا ينهون قومَهم عن قتالهم، لما رأوا من شِدّةِ بأسِهم، وعظم خلقهم، إلا رجلين منهم: كالب بن يوفنا، ويوشع بن نون.
الرأي الثاني: أخذنا من كُلِّ سبطٍ منهم ضمينًا بما عقدنا عليهم من الميثاقِ في أمرِ دينهم.
الرأي الثالث: اثني عشر رئيسًا. وقيل: شهيدًا على قومه.
الرأي الرابع: بعثوا أنبياءَ ليُقيموا الدين، ويعلموا الأسباط التوراة، ويأمروهم بما فرضَ اللهُ عليهم، وأمرهم به...
ولا تنافي بين هذه الآراءِ مثلما هو واضح، ويُمكِنُ جمعها بمعنى واحد، يكونُ فيه النُقباءُ أنبياءً أو قادةً أو رؤساء، أمرهم النبيُّ موسى بالأمرِ المُشار إليه، وكانَ كُلُّ واحدٍ منهم ضمينًا وشاهدًا على بني إسرائيل بما أخذَ عليهم في الميثاق.
وعلى كُلِّ حال، فالظاهرُ أنَّ هؤلاءِ الاثني عشر نقيبًا كانوا أصحابَ مهمةٍ مفصليةٍ في حركةِ بني إسرائيل.
النقطة الثانية: نقباء بيعة العقبة:
جاءَ في الرواياتِ الشريفةِ أنَّ النبيَّ الأكرمَ اتخذ اثني عشر نقيبًا عند بيعة الحارث أو بيعة العقبة، حيث جاءه من الأوسِ والخزرج سبعون رجلًا ومعهم امرأتان، واختار رسولُ الله من أُمّته اثني عشر نقيبًا أشارَ إليهم جبرئيلُ وأمره باختيارِهم كعدّةِ نقباءِ موسى، تسعةً من الخزرج، وثلاثةً من الأوس، فمن الخزرج: أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وابن القوافل عبادة بن الصامت، ومن الأوسِ: أبو الهيثم بن التيهان، وأسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة...
فالنبيُّ الأكرمُ اختارَ اثني عشر نقيبًا كرؤساء أو شهود على أصحابِ هذه البيعة، وقد وردَ في ذيلِ هذه البيعة: ...ثم قالَ: أخرجوا لي منكم اثنى عشر نقيبًا، فاختاروا، ثم قال: أبايعكم كبيعةِ عيسى بن مريم للحواريين، كفلاء على قومهم بما فيهم، وعلى أنْ تمنعوني ممّا تمنعونَ منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك...
النقطة الثالثة: النقباء هم أهل البيت:
أُطلِقَ لفظُ النقباءِ في بعضِ الروايات على الأئمةِ الاثني عشر حيث أُوِّل بهم قولُه (تعالى): ﴿ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا ﴾
وفي هذا رواياتٌ عديدةٌ، منها ما رويَ عن مسروق قال: كُنّا عندَ ابنِ مسعود فقال له رجل: حدّثكم نبيُّكم كم يكونُ بعده من الخلفاء؟ فقال: نعم، وما سألَني عنها أحدٌ قبلك، وإنّك لأحدثُ القومِ سنًا، سمعته يقول: يكون بعدي عدةُ نقباءِ موسى، قال الله: ﴿وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا﴾.
وروي أن رسول الله قال: معاشر الناس، من أراد أن يتولى الله ورسوله، فليقْتدِ بعلي بن أبي طالب بعدي، والأئمة من ذريتي، فإنهم خُزّانُ علمي.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، وما عدة الأئمة؟
فقال: يا جابر، سألتني (رحمك الله) عن الإسلام بأجمعه، عدتهم عدة الشهور، وهي عند الله اثنا عشر شهرًا في كتابِ الله يوم خلقَ السماوات والأرض، وعدتهم عدةَ العيون التي انفجرت لموسى بن عمرانحين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وعدتهم عدة نقباء بني إسرائيل، قال الله (تعالى): ﴿وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا﴾ ، فالأئمة يا جابر اثنا عشر [إمامًا]، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم المهدي. .
وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله: من ولدي أحدَ عشر نقيبًا نجيبًا (نقباء نجباء) محدثون مفهمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها عدلًا كما ملئت جورًا.
ويبدو أنَّ تلقيبَ أهلِ البيت بالنقباء كان موجودًا في كتب الديانات السابقة، ففي روايةِ الحبر الذي جاءَ لرسولِ الله وسأله عن بعضِ العلاماتِ فيه، فقالَ فيما قال له: ورأيتُ في علامتِك بين كتفيك خاتمٌ مختمٌ به النبوة، أي لا نبيَّ من بعدك، ومن ولدك أحد عشر نقيبًا يخرجون من ابن عمك، واسمه علي، ويبلغُ اسمُك المشرق والمغرب، وتفتحُ خيبر، وتبلغُ بابها، ثم يعبرُ الجيشُ على الكفِّ والزند، لئن كانَ فيك هذه الصفات، آمن بك، وأسلمت على يديك.
قالَ رسولُ الله: يا حبر، أمّا الشامةُ فهي لي، ثم كشفَها.
وأمّا العلامةُ فهي لناصري علي بن أبي طالب صاحب العلامة.
قال: فالتفتَ الحبرُ إلى علي وقال: أنتَ قاتلُ مرحب الأعظم؟
قال: بل الأحقر، أنا جدلته بحولِ اللهِ وقوته، أنا معبِّرُ الجيشِ على كفّي، وزندي.
قال: فعندَ ذلك قال: مُدّ يدَك، فأنا أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، إنّك مُعجزته، وإنّه يخرجُ منك أحدَ عشرَ نقيبًا، فاكتبْ لي عهدًا ولقومي، فإنّهم كنُقباءِ بني إسرائيل، أبناءِ يعقوب. فكتبَ له بذلك عهدًا.
النقطة الرابعة: النقباء من أصحاب الإمام المهدي:
جاءَ هذا الاصطلاحُ في مجموعةٍ خاصةٍ من أصحابِ الإمامِ المهدي، وهم أولُ من يُبايعُ الإمامَ المهدي بعدَ جبرئيل والملائكة ونجباء الجن، إذ رويَ أنَّ الإمامَ الصادقَ قالَ للمُفضّل في روايةٍ طويلة: يا مُفضّل، يُسنِدُ القائمُظهرَه إلى الحرم، ويمُدّ يدَه فتُرى بيضاءَ من غيرِ سوء، ويقول: هذه يدُ اللهِ، وعن اللهِ، وبأمرِ الله (تعالى)، ثم يتلو هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفىٰ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ فيكون أولُ من يُقبِّلُ يدَه جبرئيل ثم يُبايعُه، وتُبايعُه الملائكةُ، ونجباءُ الجنِّ، ثم النقباء،... .
وجاءَ في رواية أَبِي عَبْدِ الله أَنَّه قَالَ: كَأَنِّي بِالْقَائِمِعَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، عَلَيْه قَبَاءٌ، فَيُخْرِجُ مِنْ وَرَيَانِ قَبَائِه كِتَاباً مَخْتُوماً بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَفُكُّه فَيَقْرَؤُه عَلَى النَّاسِ، فَيُجْفِلُونَ عَنْه إِجْفَالَ الْغَنَمِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا النُّقَبَاءُ، فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ، فَلَا يَلْحَقُونَ مَلْجَأً حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْه، وإِنِّي لأَعْرِفُ الْكَلَامَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِه...» .
وهذا يعني: أنّهم يتمتعون بالتسليمِ المُطلقِ للإمام المهدي بحيث لا يُخالفونه في كُلِّ ما يقول، وإنْ كانتْ عقولُهم لا تتحمّلُ ما يأتي به.
نعم، جاءَ في روايةٍ أنَّ النقباءَ يشملُ كُلَّ الأصحابِ الثلاثمائة وثلاثة عشر، ففي روايةِ الإمامِ الصادق الطويلة مع المُفضَّلِ بن عمر: «...ثم تُصبِحُ نقباؤه بين يديه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرًا بعددِ أصحابِ رسولِ الله بيوم بدر» .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat