صفحة الكاتب : علي بدوان

أبعاد الإحتجاجات الشعبية في فلسطين
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 شَهدت الأراضي الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة الغربية على وجه التحديد، في الأيام الأخيرة عدداً من الفعاليات الشعبية الاحتجاجية التي عَبّرت عن حالة الغضب والاحتقان المتراكمه عند الناس جراء تفاقم الأوضاع العامة وفي القلب منها الأوضاع الاقتصادية، وقد أخذت تلك الفعاليات زخماً جماهيرياً ملموساً وهاماً في مشاركة الناس، وفي شعاراتها التي أطلقتها ضد السياسات الحكومية التي تتبعها حكومة سلام فيّاض وضد اتفاقية باريس الاقتصادية الجائرة والموقعة عام 1995 والتي ألحقت عملياً الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي. 
فما هي حقيقة الأوضاع العامة وأوضاع الناس في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وخصوصاً في الضفة الغربية التي شَهدت إندلاع تلك الاحتجاجات الشعبية خلال الأيام الماضية ..؟
نبدأ القول ان تلك الاحتجاجات والفعاليات الشعبية جاءت صارخة وحادة، فهي المرة الأولى التي تشهد فيها مدن الضفة الغربية احتجاجات بهذا الحجم ضد غلاء المعيشة منذ تشكيل سلام فياض أول حكومة له عام 2007 وتخللها محاولة رجل إحراق نفسه وابنته المريضة التي تبلغ خمسة أعوام قبل وصول رجال الأمن الفلسطينيين له ومنعه من ذلك. أما عواملها فهي متعددة ومُركبة، ويمكن تلخيصها بخمسة عوامل مجتمعة :
1- كان أولها الأزمات المالية العامة التي تعانيها السلطة الفلسطينية بشكل عام منذ فترات طويلة، فالأزمة المالية الطاحنة تعيشها السلطة الفلسطينية منذ أواسط العام 2010، وقد اشتدت في الأشهر الاخيرة جراء عدم ورود ما يكفي من مساعدات خارجية، وبما لا ينسجم مع الوضع المالي لحال السلطة، وقد أدى ذلك لتأخير متتال في دفع رواتب الموظفين والعسكريين العاملين في مختلف مؤسسات السلطة الفلسطينية. فالسلطة تعاني من عجز مالي في موازنتها العامة وصل إلى أكثر من مليار دولار بسبب نقص المساعدات الخارجية التي تشكل ثلثي ميزانيتها الأمر الذي أثر على صرف رواتب موظفيها البالغة قيمتها نحو مائة وخمسين مليون دولار شهرياً. وما زاد في الطين بلة، أن معاناة المواطنين ازدادات مع انتشار حالة الفاقة والبطالة حيث تقدر مختلف المصادر المسؤولة بما فيها المصادر الحكومية أن أكثر من مائتي ألف فلسطيني بلا عمل في مناطق الضفة الغربية والقدس وحدهما دون قطاع غزة، فيما شبكة الأمان الاجتماعي التي تقدمها الحكومة محدودة رغم الارتفاع المطرد في عدد الأسر المستفيدة منها، والذي وصل إلى نحو مائة ألف أسرة تستفيد شهرياً من هذه الشبكة. 
2- 2-وكان ثانيها استشراء انفلات السياسات الأمنية وما أدت إليه منقمع للحريات، وقد سبقها حملة (مش رايح) ضد الاستدعاءات الأمنية للناس ولكوادر مختلف الفصائل بما في ذلك استدعاء كوادر من حركة فتح، وإضراب المعتقلين في سجون الأجهزة الأمنية عن الطعام، واعتصامات الطلاب في الجامعات، والمظاهرات التي تمت ضد اللقاء الذي كان مقرراً بين الرئيس محمود عباس والجنرال شاؤول موفاز، ومن هنا لايمكن أن نربط تلك الفعاليات والاحتجاجات التي جرت وتجري الآن بلقمة العيش فقط، مع أهمية لقمة العيش بالنسبة للناس. 
 
3- وكان ثالثها تفاقم الأزمات السياسية الناتجة أصلاً عن انسداد أفق العملية السياسية في المنطقة وخاصة على المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي، مضافاً إليه استفحال السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني واستمرار غول الاستيطان في نهب الأرض وتهويدها حتى داخل الأحياء العربية في مدينة القدس وجزئها الشرقي المحتل عام 1967 فالحالة العامة السائدة في هذا الجانب تتضمن (مفاوضات فاشلة ومتوقفة أصلاً، تنسيق أمني مُختل، تهويد مُستمر، صمت دولي وأميركي عن ممارسات الاحتلال، غياب الرافعة العربية...).
 
4 - وكان رابعها أن واقع الاحتلال من جهة، وحالة والانقسام الداخلي في الساحة الفلسطينية من جهة ثانية، أثرا سلباً على قدرة السلطة الفلسطينية في التعامل مع الاحتياجات والأزمات الاقتصادية الناجمة في جزء منها عن الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية المستوردة. فالانقسام الداخلي فاقم من عموم المشكلات الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وقد أحدث شرخاً وتعطيلاً في البرامج التنموية المطلوبة بين الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وساعد بعض الدول المانحة على التملص من التزاماتها التي سبق وأن كانت قد أعلنت عنها تحت دعوى وجود انقسام فلسطيني. 
5 - وجود حالات من الفساد والتسيب، وهو ما يفترض متابعة ملفات الفساد الاقتصادي المحالة للقضاء وللجنة المعنية التي يرأسها رفيق النتشة، فالفَجَع المالي المتوالد عن ظاهرة الفساد موجود وموثقّ، خصوصاً في ظل المنعطفات والأوضاع الصعبة التي مرت بها الحال الفلسطينية، حيث أصبح عندها الفساد والفاسدون كالطحالب التي تنمو في المياه الآسنة، وقد استغل أصحابها الواقع الراهن، غير آبهين بحياة ولقمة عيش المواطن العادي، عاملين على استنزافه، وتنظيف جيوبه شبه الفارغة أصلاً، وعلى حد قول الشاعر الكبير سليمان العيسى:
أجهدوا النعجة المسكينة بالحلب فخارت من وطأة الاجهاد.وفي هذا المجال نشير الى أن هيئة مكافحة الفساد والتي شُكلت بمرسوم رئاسي أصدره الرئيس محمود عباس تَلقت ومنذ تأسيسها (142) ملفاً تتضمن قضايا فساد، ردت منها الهيئة (61) ملفاً وتتابع (81) ملفاً، وقد بدأت الهيئة بالطلب من كافة مسؤولي السلطة الفلسطينية إقرارا بذممهم المالية وفقا لقانون مكافحة الفساد، كما في تقديم إقرار ذمة عند نهاية الخدمة عن ممتلكاته وممتلكات زوجته وأبنائه القصر في المواعيد المقررة قانونا.
وعليه، فإن السلطة الفلسطينية، وتحديداً حكومة سلام فياض، ومع ازدياد الأزمات الاقتصادية لعامة الناس، مضافاً إليها الأزمة السياسية العامة وانسداد أفق التسوية السياسية، واستمرار الاحتلال بسياساته المعروفة التي أكلت الأخضر واليابس، تجد نفسها الآن أمامصعوبات متزايدة في أن تكون مُلهماً اجتماعياً للشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1967، ومصدراً لأجوبة مقنعة ذات صدقية ولذلك فإن الشعب مُحبط الآن تماماً، كما وصف سلام فياض ذاته الحال الفلسطيني في مقابلاته الصحفية الأخيرة. 
وبالطبع، لا يمكن إعفاء سلام فياض وعموم وزرائه من المسؤولية عن هذه الحال بعد مضي عشر سنوات تقريبًا كان فيها هو الآمر الناهي منذ أن كان وزيراًللمالية، وسط حِراك شعبي جارف يجتاح عموم المنطقة مطالباً بتنحي كل القادة والأنظمة المسؤولين عن إدامة الوضع الراهن فيها، فالوضع الفلسطيني ليس أقل حاجة إلى التغيير والإصلاح من الأوضاع العربية، بل إن الحالة الفلسطينية بحاجة لربيع فلسطيني حقيقي يستند لحركة الناس بشكل ديمقراطي وشعبي بعيد كل البعد عن العمل العنفي المسلح أو ما شابهه. 
إن الواقع المعيش للناس لا يَطلُب ولا يدعو لإجراء إصلاحات شكلية تقوم على إجراء تبديلات سياسية في مواقع مختلف الوزارات أو مواقع السلطة هنا وهناك، أو تبديل أشخاص بأشخاص أو طربوش بطربوش، بل يَطلُب بالأساس حلولاً جذرية مركبة، حلولاً تلحظ المواءمة بين الجانبين الاقتصادي والسياسي اللذين لا ينفصمان عن بعضهما البعض. وهذا يعني بالضبط إعادة بناء النظامين السياسي والاقتصادي الفلسطيني. فالنظام السياسي المطلوب لا يمكن الوصول إليه إلا على أساس ديمقراطي ائتلافي تشاركي ينهي الانقسام ويفتح الطريق أمام تفعيل وتثمير كل عناصر وأدوات القوة المتوافرة باليد الفلسطينية، كما يفتح المجال أمام دور عربي مُلزم بدعم الموقف الفلسطيني على كل المستويات بما في ذلك المستويين الاقتصادي والسياسي، لأن الانقسام الفلسطيني يوفر للنظام الرسمي العربي فرصة الهروب من الاستحقاقات المطلوبة منه على المستويين السياسي والاقتصادي. 
كما أن بناء النظام الاقتصادي المطلوب لتجاوز الواقع المعيشي الصعب يتم عبر صياغة سياسة اقتصادية وطنية فلسطينية مدروسة والتخلص من اتفاق باريس المجحف والموقع عام 1995، وفتح الطريق أمام بناء حالة استثمارية جاذبة في فلسطين، وتعزيز التعاون مع مختلف البلدان العربية والإسلامية والدول الصديقة في العالم وطَلبِ مساعدتها في هذا الاتجاه. والوصول إلى مرحلة أفضل بالاعتماد على الموارد الذاتية لزيادة الإيرادات وتحسين الأداء الضريبي وخفض النفقات، وبالتالي تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، فاعتماد السلطة الفلسطينية على الأموال التي تأتي من الدول الأوروبية والعربية يجعل مصادر ميزانيتها غير ثابتة وغير دائمة وبالتالي يحدث العجز والتأخير في صرف الرواتب.
ويبقى القول بأن الأساس في كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 يعود للاحتلال وسياساته، فهو الطرف الأكثر تأثيراً على الاقتصاد الفلسطيني، ومن هنا فإنهاء الاحتلال يبقى المهمة المركزية والأساسية التي لا تعلو فوقها مهمة. فالاحتلال هو الذي يحد في نهاية المطاف من النمو الاقتصادي في فلسطين بفعل نظام التَحكم والسيطرة التعسفي سواء على المعابر وغيرها من الإجراءات كالاستحواذ على أموال الضرائب المجباة لقاء البضائع المتدفقة للضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. حيث تمثل جباية إسرائيل للضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية ثلثي ميزانية السلطة الفلسطينية، وتفوق مبلغ مليار دولار أميركي سنويا وذلك بموجب اتفاقي باريس الاقتصادي، لكنها تبقى تحت رحمة اليد الإسرائيلية التي تصرفها وتسلمها للسلطة الفلسطينية أو تدعها محجوزة بين يديها تبعاً للحالة السياسية.
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/09/13



كتابة تعليق لموضوع : أبعاد الإحتجاجات الشعبية في فلسطين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net