صفحة الكاتب : فلاح العيساوي

زيارة إلى عالم البرزخ
فلاح العيساوي

اشتد بهم الجوع فخرج أبوهم لعله يجد لهم ما يسد به جوعهم الكافر، ورجع لكن بخفي حنين استقبلته زوجه المحبة بثغرها الباسم وروحها النقية ، فقال لها سعاد لم أجد ما يؤكل في السوق إن المجاعة قد عمت المدينة بأكملها ، فقالت يا احمد لا تهتم صبرنا جميل وفرج الله قريب ، فهرب احمد إلى الشارع وسار في الطرقات عله يخفف عن نفسه المعصورة وحدت به قدماه إلى المقابر ، أحس بتعب وألم في قدميه فجلس يستريح واطرق برأسه ووضعه بين ركبتيه وشبك يديه فوق رأسه والغم لا يفارقه وصور أحبائه وهم يحنون إلى القرص أو مجرد لقمة تتراءى إمام ناظريه ، نزلت دموع عينيه بحرقة وماجة به الدنيا حتى ضاقت به رغم وسعها ، فقال ( ربي رحماك ربي الغوث وبك نستجير يا من أنت احن من إلام على رضيعها اغث عيالي وارحمهم برزقك الواسع يا معطي ويا منعم  ) !!،،،

في هذه اللحظات سمع وقع إقدام فرفع رأسه وحد بصره فشاهد ثمانية رجال لباسهم ابيض ووجوههم تشع نورا وهم يحملون لوح خشب مستطيل الشكل يرقد فوقه رجل يشع النور منه، فقال في نفسه هذه الجنازة غريبة جدا !، فلم أر لها مثيلا من قبل !، لكن الواجب يحتم على الرجل المؤمن إن يشترك في تشييع جنازة أخيه المؤمن ، قبل إن ينهض من مكانه أصبح القوم إمامه فقال احدهم ، سيد احمد انهض وشيع معنا أخاك المؤمن ، نهض ولم يتوان ولحق بهم وجعل يتمتم بقراءة سورة الفاتحة ، و فجأة رأى احمد نفسه وهو في روضة غناء أشجارها كثيفة وباسقة وثمارها تشد البصر وتشتهيها الأنفس ، وأنهارها عجيبة ، فألوانها متعددة ، دهشة احمد جعلته يسير دون شعور إلى أين يسير ؟،، أو أين يقصد ؟،، حتى لاحظ قصرا جميلا ورائعا ، له حدائق خلابة ، وأشجار ثمارها لا تعد ولا تحصى !!...

وقف احمد والدهشة بالمكان والرياض الرائعة أنست عالمه القاسي وما يوجد فيه من هموم وإحزان كثيرة مع أفراح نسبتها قليلة ، باب القصر كانت مزخرفة بأنواع المعادن الثمينة من الذهب والفضة ، ومرصعة بأغلى الأحجار والمجوهرات الثمينة ، وهنا لاح له رجل مهيب قادم نحوه ، وعند اقترابه اتضح له أن الرجل أبيه !!،، لكن أباه كان ميتا منذ سنين !،،

اقبل الرجل نحو احمد وفتح الباب ثم تعانقا واخذ احمد يبكي بكاء الفرح المشتاق، وقال أبي أنت أبي ؟،، فقال نعم يا ولدي الحبيب إنا أبوك !!،، فلا تخف ولا تحزن فأنت في عالم البرزخ !!!،،،

وضع أبو احمد يده في يد ابنه الغالي وادخله إلى القصر ، وما هي إلا لحظات حتى شاهد احمد أمه الغالية ، التي أخذته في أحضانها وصارت تشمه وتلثمه بقبلاتها الحارة ، وجلس الجميع على طاولة تحوي افخر وأطيب المأكولات مع أطيب الفواكه الصيفية والشتوية ، طلب أبو احمد من ولده إن يمد يده ويأكل ما لذ وطاب ، فمد يده وتناول ملعقة وغرف غرفة من صحن الأرز الفواح بعطر العنبر ، وقبل إن يضعها في فيه تذكر جوع أبنائه وزوجته ، فارجع الملعقة إلى الصحن ، فقال أبوه ولدي احمد لماذا لا تأكل ؟، ألست جائعا ؟، فقال نعم يا أبي إنا جائع لكن كيف لي بلذيذ الطعام وأبنائي وزوجتي جياع ، فقال ولدي ونور عيني بعد الطعام سوف أزيح عنك همك وغمك !!...

أكل احمد طعامه الغريب واللذيذ ، فرغم كثرة ما أكل لكنه لم يحس بثقل أو تخمة إطلاقا ، واصطحبه أبوه إلى داخل القصر ، ورغم جمال القصر وزينته التي لم ير مثلها قط ، كان همه أطفاله ، فتح أبو احمد حجرة مليئة بالرز الذي تفوح منه رائحة العنبر ، وغرف غرفة وضعها في حجر احمد ، وقال ولدي احمد حان ألان الفراق المؤقت ، واعلم إن بركة هذا الأرز سوف تذهب إن أخبرت أحدا عن مصدره ، وفي أمان الله وحفظه !!...

رفع احمد رأسه من بين ركبتيه ونظر إمامه فوجد نفسه جالسا في مكانه الأول !، لكن الرز في حجره يفوح بالعطر ، فنهض وأسرع إلى الدار ، استقبلته زوجته الحنون فأعطاها الأرز وقال اطبخيه واطعمي الأطفال ، فقالت وأنت ؟، فقال إنا لا اشتهي الطعام !!...

بقى احمد مدة يومين لا يشتهي الطعام ، فحلاوة ولذة الغذاء الذي تناوله مع أبيه في عالم البرزخ ما زالت ترافقه ، إما سعاد فقد بدأت تلح عليه وتسأله كثيرا عن مصدر الرز العجيب ، إذ لاحظت إن الرز لا ينفد رغم أنها تأخذ يوميا منه للطبخ وعلى مدى أسبوع ، واحمد ما زال يكتم سر زيارته الغريبة والعجيبة إلى البرزخ ، فاحمد بكياسته صار يلاطف سعاد ويهرب من الجواب على سؤالها الدائم ...

مضت أشهر عدة وانتهت المجاعة في المدينة، وما زالت سعاد ترغب في معرفة مصدر الرز، ولم يستطع احمد إن يصمد إمام تيار تساؤلات سعاد، فجلس واخبرها عن زيارته إلى عالم البرزخ ورؤيته لأبيه وأمه !، وان مصدر الرز من قصر أبوه !!...

جاءت سعاد على عادتها لتأخذ من الرز غرفة لطبخه وعند فتح الصرة لم تجد حبة واحدة من الرز !، فأسرعت إلى احمد وأخبرته، فقال لها لا تعجبي، فأبي حذرني من إفشاء سر مصدر الرز، كي لا تذهب بركته، وألان بعد انتهاء المجاعة انتفت حاجتنا إليه والحمد لله على نعمه كلها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/24



كتابة تعليق لموضوع : زيارة إلى عالم البرزخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net