أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٧)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
كيفَ يكونُ التَّمكينُ مُستقرّاً لا يتأَثَّر بالظُّروفِ والعوامِلِ الخارجيَّة؟!.
تعالُوا أَوَّلاً نضربً مثلاً للتَّمكين المُستقر في نبيِّ الله يوسُف (ع) فعندما كان سجيناً مُستضعفاً خاطبهُ السُّجناء بقولهِم {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَأَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
فكانَ مُحسِناً وهو في السِّجن!.
وعندما مكَّنهُ الله تعالى من السُّلطة وبسط يدهُ في مِصر نعتهُ النَّاس بقولهِم {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَالْمُحْسِنِينَ}.
وكانَ مُحسِناً وهو في السُّلطة.
وهذا هو معنى التَّمكينُ المُستقر، وعكسهُ التَّمكين غَير المُستقر والذي يصفهُ المثل المشهُور بقَولِ النَّاس [يتمسكنُ لِيتمكَّنُ] وهو حال المُنافقين ومُزدوجيالشَّخصية الذين تظهر عندهُم علامات الزُّهد والتَّقوى والإِحسان عندما يكونُوا خارج السُّلطة لا يملكُون شيئاً منها ومن نفوذِها وامتيازاتِها، ولكنَّهم يتحوَّلُونَ إِلىضِباعٍ مُفترسةٍ تنهشُ بالرَّعيَّة إِن تمكَّنوا من السُّلطة والنُّفوذ!.
كيفَ؟! ولماذا؟!.
هنالِكَ عدَّة أَسباب منها على سبيلِ المِثال لا الحصر؛
*التَّربية والتَّعليم، خاصَّةً في فترةِ الطُّفولة، فإِذا تلقَّى الإِنسانُ تربيةً صالِحةً وسويَّةً ومُستقيمةً منذُ طفولتهِ فستتساوى عندهُ الأُمور في كلِّ الحالات، وليسَ فيهذا الكلامِ أَيَّة مُبالغة أَو مثاليَّة، فبالإِضافةِ إِلى ما نقرأَهُ في سِيَر شخصيَّات عظيمة وعِملاقة على مرِّ التَّاريخ يقفُ على رأسِها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الذي لم يُغيِّرهُشيئاً مهما عظُم في أَعيُن النَّاس، فلقد {عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ} نقرأ ذلكَ في سيرة شخصيَّات عاصرناها أَو رُبما عاصرها الجيلُالذي سبقنا، مثل المهاتما غاندي ونيلسون مانديلَّا وغيرهُم كثيرُون.
*الوعي الذَّاتي والتَّربية والرِّياضة الذاتيَّة.
يقولُ أَميرُ المُؤمنين (ع) {إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بَقَوْمٍ إِلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ}.
فللتَّربية والرِّياضة النفسيَّة أَثرٌ كبيرٌ في صياغةِ الشخصيَّة القادرة على الإِحتفاظ لنفسِها بالتَّمكينِ المُستقِر غَير المُتقلِّب.
وإِنَّ ما رأَيناهُ ونراهُ يوميّاً من إِنقلابِ القِيَم والمفاهيم عندَ الكثيرِ من [الزَّعامات المُعارِضة والمُجاهِدة] بمجرَّد وصولهِم للسُّلطة وحصولهِم على النُّفوذ دليلٌ واضحٌعلى الخللِ في التَّربيةِ والتَّعليمِ وفي فشلهِم في تربيةِ الذَّات التي تؤَهِّلهم للتمسُّك بمواقعهِم القيميَّة من دونِ انقلاب.
وإِذا كُنَّا نقرأ في القرآن الكريم هذا المعنى، معنى الإِنقلاب على الذَّات والقِيم والثَّوابت والمفاهيم الإِستراتيجيَّة، في قولهِ تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْمِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} فلقد عشنا بحمدِ الله ورأَينا مثل هذهِالنَّماذج الكثيرة في واقعِنا المُزري وللأَسفِ الشَّديد.
وفي الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} أَدق وصف لهذهِ النَّماذج التي تعيش التَّناقض والإِزدواجيَّة والنِّفاق وكأَنَّها تتربَّص بالقِيم التي تتمثَّلها كرهاً، فإِذا صادفت الظَّرف المُناسب إِنقلبت عليها.
وصدقَ الإِمامُ الحُسين السِّبط (ع) الذي قال {النَّاسُ عبيدُ الدُّنيا والدِّينُ لَعِقٌ على السِنَتِهم يَحوطُونهُ ما درَّت معائِشهُم، فإِذا مُحِّصُوا بالبلاءِ قلَّ الدَّيَّانُونَ}.
٣٠ نيسان ٢٠٢٠
لِلتَّواصُل؛
E_mail: nahaidar@hotmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat