من كل زيج ركعة
فراس الغضبان الحمداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
امتدت الفوضى الأمريكية الخلاقة إلى كل تفاصيل الحياة العراقية وعادت بالمدن والناس إلى 1000 عام إلى الوراء وفي مقدمة ذلك العاصمة بغداد التي تحولت إلى اكبر مجمع للعشوائيات بعد إن اختفت الأحياء الراقية وتحولت إلى أزقة مزدحمة بالسكان تشكو ضعف الخدمات وتعاني من الزحف السكاني والفوضى المعمارية .
كان الناس يأملون ويحلمون بان تتحول عاصمتهم إلى مدينة راقية تمتد فيها الساحات الخضراء وترتفع فيها ناطحات السحاب وفي الحد الأدنى بأنها لا تشابه باريس أو نيويورك ولكن على الأقل إن تشابه مدن صحراوية خليجية أصبحت مضربا للأمثال مثل دبي وقطر أو ماليزيا ذات التجربة المتجددة ، ولكن غياب القانون بصورة مطلقة وتراجع أمانة بغداد وعدم قدرتها على ردع المتجاوزين لان اغلبهم يحتمون بالمليشيات والأحزاب .
فراحوا يتوسعون بالعشوائيات ويتجاوزون على أراض الدولة ويشيدون الخرائب في قلب مدينة بغداد رغم تعليمات وقوانين أمانة العاصمة وأمانة مجلس الوزراء والرئاسات الثلاث وحتى إن مشاريع عملاقة مثل مشروع مجاري بغداد تم تحويل مساره لان هناك متجاوزين شيدوا بيوتهم على أملاك الدولة وأجبرت الأمين وأمانته على تحويل مسار المشروع وإيقاف مشاريع أخرى إكراما لعيون الحرامية.
إن الدولة وحكومتها فشلت من إقامة مدن جديدة وحديثة لاحتواء هذه الزيادة السكانية فجعلت هذه المجاميع يتقدمهم البعض من سماسرة العقارات إن يزحفوا إلى المدن والأحياء التي كنا نسميها بالراقية وتجاهلوا قوانين الدولة وخاصة التصميم الأساسي للعاصمة وراحوا يقسمون الوحدات السكنية والأراضي إلى كانتونات لا تزيد مساحة الواحدة منها على 50 مترا حيث إن التعليمات كانت تمنع فرز الأراضي التي تقل مساحتها عن 150 أو 100 متر حفاظا على جمالية الأحياء السكنية والتخفيف من الكثافة السكانية ولكن تلك الأحياء التي كانت تتميز بالهدوء تعاني الآن من الضجيج لان الزقاق الواحد الذي كان يضم 10 وحدات سكنية تحول إلى 50 وحدة سكنية بكثافة تشابه قطاع غزة وامتد أصحاب هذه العشوائيات لابتلاع الأرصفة وإشاعة أنماط من السلوك البدائي ما حول وهبط هذه المناطق إلى حضيض المستنقعات والاهوار .
ومع كل هذا التراجع فان الأمانة تلتزم الصمت لان اغلب الأحزاب تتواطأ مع أتباعها ومريديها وتريد احتوائهم في الانتخابات القادمة ، وكذلك الحكومة والبرلمان يلوذان بالصمت أيضا لان حديثهم واستنكارهم لهذه الظاهرة سيفضحهما بسبب فشلهما في إقامة مشاريع سكانية عملاقة تنقذ البلاد من فوضى العشوائيات وترحم الناس من سطوة أصحاب العقارات .
وأخيرا نقول هل تستطيع كل مليارات النفط بعد الآن إن ترسم لنا ملامح عاصمة جديدة وهل يستطيع الأمين وشركاته الأجنبية العاملة في العراق من إحداث تغيير جمالي في بغداد التي أصبحت موزائيك يضم العجائب والغرائب وأصبحت البنايات المتهالكة تغلف بحلة من الكوبون التركي المزركش منطبقا عليها المثل الشعبي ( من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله ) وأصبح منظر شوارعنا يثير الضحك والتندر بسبب الألوان المتضاربة حيث أصبح كل شارع يمثل نشازا جماليا وبصريا دون ذوق أو هوية تدلل على طبيعة المكان وباختصار شديد فان بغداد العاصمة التي تغنى وتغزل بها الشعراء سابقا ينطبق عليها الآن معماريا ومجتمعيا مثلنا الشعبي الذي يقول ( من كل زيج ركعة ) .
firashamdani@yahoo.com
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
فراس الغضبان الحمداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat