صفحة الكاتب : سعد العابدي

ذكرى الطف المتجددة
سعد العابدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ينقضي عام ويأتي أخر بحلة جديدة وظروف تختلف عن سابقاتها ويبقى شهر محرم الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، تتبدل الدنيا بأهلها حال بعد حال وتختلف الظروف وتتبدل الأحوال ويبقى شهر محرم وتبقى واقعة عاشوراء غضة طرية كأنها حدثت بالأمس، وكأن الزمن ظل ساكنا فيها وما عاد يتحرك من يومها فظلت شعائره تتخطى كل جديد، وتبقى هي اللون الأصيل الذي لا يتقادم بل ولا يدخل ضمن موسوعة التجديد الا في العزاء والبكاء واخذ العبرة والعَبَرة من سيد الشهداء ليتحكم هو كيفما يشاء ويفعل بمحبيه ما يريد لانه سيد الزمن في عاشوراء ومن ملك الزمان ملك كل شيء فتفجعت لمصابه السماوات ومن فيها والأرض ومن عليها، نعم  بكاه كل شيء خلقه الله كما قال الصادق عليه السلام فيما رواه عن رسول الله صلى الله عليه واله، قال: «كان الحسين عليه السلام مع اُمّه تحمله، فأخذه النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين مَن أعان عليك.

فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبه، أيّ شيء تقول؟
قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء، يتهادون إلى القتل، كأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟
قال: موضع يقال له: كربلاء، ذات كرب وبلى علينا وعلى الاُمّة، يخرج عليهم شرار اُمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له من في السموات والأرض ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار.
قالت: يا أبه يقتل؟
قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله، تبكيه السموات والأرض، والملائكة والوحش، والنبات والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفّس، ويأتيه قوم من محبّينا، ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس على الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم.
اُولئك مصابيح في ظلمات الأرض، وهم الشفعاء، وهم واردون عليّ حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيمائهم، وكلّ أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا، لا يطلبون غيرنا، وهم قوام الأرض، وبهم نزل الغيث.
فقالت فاطمة الزهراء: إنّا لله وانا اليه راجعون ...وبكت» إلى آخره(1).
ما اعظمها من رواية تحكي قتامتة المشهد ورهبته ... واما العزاء عليه فقد شرف الله بذلك من الناس من يحيي ذكرى شهادته ويتألم ويتفجع لمصابه فيلبس السواد ويبكيه بكاء منتحب ليله ونهاره وينفق من ماله وراحته لأجل ذكرى مصابه وأحياءا لمظلومية سيده وما جرى عليه وقد روي أنّه لمّا أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله فاطمة بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة عليها السلام بكاءً شديداً وقالت: يا أبه متى يكون ذلك؟
قال: في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي عليه السلام.
فاشتدّ بكاؤها وقالت: يا أبه، فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا فاطمة، إنّ نساء اُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة»(2).
إن مدرسة الامام الحسين عليه السلام لازالت قائمة تربي الأجيال جيلا بعد آخر والمربي سيدها الناطق بالحق والصادع بما أُمر  بصوته الذي يهدر كالبركان مدويا مزلزلا عروش الطغاة :
"فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً"
مع تلك الأبيات التي ذكرت للحسين عليه السلام من إنشائه وقالها في واقعة كربلاء : وليس لأحد مثلها:
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة * 
    فإن ثواب الله أعلى وأنبل 

وإن يكن الأبدان للموت أنشأت * 
فقتل امرء بالسيف في الله أفضل
 
وإن يكن الأرزاق قسما مقدرا * 
فقلة سعي المرء في الكسب أجمل
 
وإن تكن الأموال للترك جمعها * 
فما بال متروك به المرء يبخل 

وتلك الكلمات الخالدة تدور مع الزمن
" الموت خير من ركوب العار " ثم على الميسرة وهو يقول:
أنا الحسين بن علي * 
             آليت أن لا أنثني 

أحمي عيالات أبي * 
أمضي على دين النبي.

وفِي الختام
إن من يتذوق طعم التعلق بالحسين عليه السلام واحياء مصابه لا يأبه بأي ظرف ضاغط يمر به ليمنعه او يحول دون خدمته أو  إحياء عزاء سيده وأن كان عاقبته الموت فحال المحب العاشق كحال علي الاكبر حينما قال "لانبالي أوقعنا على الموت او وقع الموت علينا" فحب الحسين وعشقه دائما يهدي صاحبه لسفينة النجاة والخلود الأبدي، قد أنار الله بصيرته، فإذا بعشقه يتجدد بتجدد عاشوراء ويغلي من حرارة المصاب الحسيني التي لا تبرد ولا تنطفي ابدا.
 

____
1- بحار الأنوار ٤٤: ٢٦٤ حديث ٢٢، عن تفسير فرات: ٥٥ ـ ٥٦ .
2- بحار الأنوار ٤٤: ٢٩٢ حديث ٣٧ .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعد العابدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/23



كتابة تعليق لموضوع : ذكرى الطف المتجددة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net