إن العلمَ الاجتماعي غارق في الثنائيات: الثقافة والبنية، التغير والاستقرار، الديناميات والاستاتيكيات، الفردية المنهجية والجمعية, الطوعية والجبرية، الطبيعية والرسمية، الموضوعية والذاتية، الحقائق والقيم.. ورغم أن هذه الثنائيات مفيدة أحيانا كتقسيمات تحليلية، إلا أنها غالباً ما تؤدي إلى نتيجة سيئة، وهي إخفاء مظاهر الاعتماد المتبادل بين الظواهر.
وكثيرا ما يفتعل العلماء الاجتماعيون إشكالات لا حاجة إليها، بتمسكهم بجانب واحد من هذه الثنائيات، والادعاء بأنه الأكثر أهمية. نظرية الثقافة توضح أنه لا داعي للاختيار بين الجمعية والفردية مثلا، أو بين القيم والعلاقات الاجتماعية، أو بين التغير والاستقرار. وفي الحقيقة نحن نحاول أن نبرهن، على أن هناك احتياجاً إلى عدم القيام بذلك، يقصد المفاضلة بين الثنائيات. يدور الجدال باستمرار بين العلماء الاجتماعيين، حول ما إذا كانت الهياكل المؤسسية هي مصدر الثقافة (معرّفة بأنها القيم والمعتقدات، أي المنتجات العقلية)، أم أن الثقافة هي السبب في البنية؟ وكما يبدو واضحاً من تعريفنا لأنماط الحياة، لا نرى سببا للاختيار بين المؤسسات الاجتماعية والتحيزات الثقافية، فكل من القيم والعلاقات الاجتماعية، يعتمد تبادليا على الآخر ويقويه؛ فالمؤسسات تولد مجموعات متميزة من التفضيلات, كما أن الالتصاق بقيم معينة، يضفي المشروعية على الترتيبات المؤسسية المناسبة لها. وإذا طرحنا التساؤل حول ما الذي يأتي أولاً، أو ما الذي يجب إعطاؤه أولوية سببية، فهو أمر متعذر.
لقد شهدت العلوم الاجتماعية في الحقب الأخيرة انفصالا بين دراسات القيم والرموز والأيديولوجيات، ودراسات العلاقات الاجتماعية, وأنماط التنظيم والمؤسسات.. واستمرت دراسات الثقافة كما لو كانت المنتجات العقلية تظهر في فراغ مؤسسي، بينما تجاهلت دراسات العلاقات الاجتماعية كيف يقوم الناس بتبرير طريقتهم في الحياة، لأنفسهم وللغير..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat