إن أحد أهم إسهامات نظريتنا الاجتماعية الثقافية، هو التقريب بين هذين الجانب، للحياة الإنسانية؛ كما أننا لا نشعر بضرورة الانحياز لأي جانب في النزاع بين أنصار المنهجية الفردية، الذين يتمسكون بالرأي القائل: إن كل الظواهر الاجتماعية قابلة للتفسير من حيث المبدأ، بطرق تنصب فقط على الأفراد, وبين أنصار المنهجية الجمعية الذين يجادلون بأن هناك كيانات تحوز أولوية على الأفراد في النظام التفسيري، فالترتيبات المؤسسية تقوم، كما يجتهد أنصار المنهجية الجمعية لإثباته, بتقييد السلوك الفردي، إلا أنه صحيح أيضاً، كما يصر أنصار المنهجية الفردية، أن الترتيبات المؤسسية قد أقيمت وعدلت من خلال الفعل الفردي، يجد الأفراد أنفسهم في إطار مؤسسي ليس من صنعهم، ولكن الأفرادَ هم الذين يُنشئون ويدعمون، ويحولون هذا الإطار.
إننا نرفض كذلك عزل الاستقرار عن التغير، فنظرية الثقافة توحد بين آليات الثبات والتحول؛ لو كان التغير هو إعادة إنتاج فاشلة، فسوف يتعين على نظرية التغير أن تكون أيضا نظرية للاستقرار.. أكثر من ذلك, فإن هذه الازدواجية تعوق حجم التغير الهائل اللازم للاستقرار، فعلى سبيل المثال، استطاع (المحافظون) البريطانيون، الحفاظ على مركزهم السيادي في اﻟﻤﺠتمع، وكذلك نموذجهم المفضل للعلاقات الاجتماعية المتمايزة، من خلال تغيير سياساتهم حول معايير دولة الرفاهية، وإصلاح نظام التصويت.
أما التمييز بين الحقائق والقيم، فرغم إمكانية الدفاع عنه تحليلياً، فإنه يعوق إدراكنا للتداخل المتبادل والشامل بين الحقائق والقيم في عالم الواقع.. وقليلة هي الادعاءات الثمينة التي لا تحتوي مكوناتها على كل من القيم والحقائق، إذ تقوم أنماط الحياة بنسج المعتقدات حول الواقع (مثلا الطبيعة البشرية خيرية) مع المعتقدات حول ما يجب أن يكون (مثلا: المؤسسات القهرية يجب إلغاؤها) معا، وفي كل واحد يدعم بعضه بعضا، والتميزات الثقافية تتم حمايتها بتصفية الحقائق، من خلال شاشة الإدراك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat