صفحة الكاتب : منتظر العلي

فضائل أهل البيت عليهم السلام في شعر أبي فراس الحمداني 
منتظر العلي

 يعد أبو فراس الحمداني وهو الحارث بن سعيد بن حمدان (320هـ - 357) واحداً من كبار شعراء العصور الأدبية، حتى أنَّ ثلّة من مؤرخي الأدب، ذهبوا الى أن الشعر بُدِئَ بملك وخُتِمَ بملك، يعنون بذلك امرأ القيس وأبا فراس.. وقد اقترنت أهمية هذا الشاعر فضلا عن فنه، انه يحتل موقعاً سياسياً بصفته أميراً، وما يصدر عنه من موقف فكري من الحياة، وهو وعيه بحقيقة المهمة العبادية التي اضطلع بها النبي (ص) وأهل البيت (ع)، كما إن نشأته في قبيلة عربية صميمة، تقلب أفرادها في الملك والإمارة قرونا عديدة، وكانت لهم أحسن سيرة مملوءة بمحاسن الأفعال، وجميل الصفات، من كرم وسخاء وعز وإباء، وصولة وشجاعة، وفصاحة وبراعة.. جعلت نتاجه يكتسب أهمية حقيقية، أتيحت له أن يعبر عن موقفه بشكل صريح، كما يتضح في ميميته.
 يقول الثعالبي في وصف أبي فراس انه: (كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة والحلاوة). وكان المتنبي يشهد له بالتقدم، ويتحامى جانبه، ولم يمدحه بل مدح من دونه من آل حمدان، تهيباً له، واجلالاً لا إغفالا واخلالاً. لقد اختار أبو فراس دوره في الحياة دور الفارس؛ لأنه ولد في قرن مضطرب، وفي دولة ثغور، وعدو تاريخي، وفي ساحة اختلطت فيها الصراعات المذهبية والقومية والقبلية والدينية، فتشكلت منها لوحة ملتبسة؛ وفي عصره كانت السيوف لا الأقلام تكتب التاريخ، فكان اختياره للفروسية منهجاً في الحياة،على الرغم من موهبته الشعرية، فقد بقي الشعر لديه هواية وليس عملا أو أساساً، فقد وجه شاعريته للتعبير عما يجيش في أعماق نفسه من أحزان وأفراح وآمال وخيبة.. فجاء شعره حديثاً للنفس المرهفة مع ذاتها، وحواراً داخلياً يستكنه أعماق نفسه، وحديثه مع الذات الناضجة ليس انعزالاً بل هو حديث عن كل ذات، وبذا أدرك أبو فراس مسار الشعر الصحيح، ونأى به عن الطرق المنحرفة التي كانت تنظر الى الشعر قدرةً لغويةً تسخر لرغبات الاخرين.. وهكذا وجد الشاعر نفسه في عصر سياسي له سمات يكاد المؤرخون والدارسون يجمعون عليها، وهي تتمثل في (غروب شمس الدولة العباسية، وما كان من ضعف الخلفاء، واستبداد العمال، وتغلب النزعات الأعجمية على الروح العربية الصحيحة، وانبثاق دويلات في أطراف المملكة الإسلامية، وكان هم رجالها أن يستأثروا بخيرات هذه الممالك، وتوطيد نفوذهم الشخصي، وارهاق الشعب بضروب من التعسف). إن نشأة الشاعر في تربية سيف الدولة، وأخذه أخلاقه، والتأدب بآدابه.. كان لها الأثر الكبير فيما عرف عنه من مناقب حميدة.
وتستوقف الباحث المعاني السياسية التي رددها أبو فراس في رثائه لآل الرسول (ص) تأكيداً لعقيدته الشيعية، وتعبيراً عن انتمائه وموالاته لآل البيت (ع). وتقف ميميته التي رثى فيها أهل البيت (ع) وعرض بظلم بني العباس لهم، فقد جاءت القصيدة عالية السبك، قوية الايحاء متصلة الفقر، تجسّد ولاء أبي فراس لآل الرسول (ع) وحنقه على من ظلمهم، إذ يقول:
الدينُ مخترمٌ، والحقُّ مهتضمُ   *  وفيءُ آلِ رسول اللهِ مقتسـمُ              
والناسُ عندك لاناس فيحفظهم  *  سوم الرعاة ولا شاءٌ ولا نعمُ
 ثم ينبري الشاعر معبراً عما يؤرقه ويقض مضجعه من الهموم السياسية التي حملها عبئاً.. وما هو إلا الشعر وسيلة في بث شكواه، عبر هذه الصورة التي رسمها الشاعر، وهو يذكر آلات الحرب مثل (الدرع، الرمح، المهر...) وذلك لفرط ملازمته للحرب فيقول:
إنّي أبيتُ قليلَ النومِ أرَّقني       *  قلبٌ تصارع فيه الهمُّ والهممُ            
يُصانُ مُهْري لأمرٍ، لا أبوُحُ بهِ  *  والدّرْعُ، والرُّمحُ، والصمصامةُ الخَذِمُ       
ثم يؤكد الشاعرُ التصاقه بالمفاهيم الاسلامية، وغيرته على الدين وأهله، فيقول:
يا للرجالِ أما للهِ منتصِرٌ  *  من الطغاةِ، ولا للدينِ منتقِمُ؟
ان مجريات الأحداث في عصره جعلته يمتعض من تلك المفارقات، حينما تعلو على الرأس الذنابى، فأبو فراس علوي الرأي يؤمن بحق آل علي (u) في الخلافة، ويتوجع لما أصابهم، ويندد بآل العباس ذاكراً عيوبهم معدداً مساوئهم، وهو يقارن بينهم وبين أقطاب البيت العلوي، فيقرر أن الفرق عظيم بين هؤلاء وأولئك، فراح يستدعي التاريخ الاسلامي عبر مفردات معجمه المنتقاة التي عبرت عن حالته النفسية، فجاءت كشفاً أميناً عن نزعات نفسه، فيقول:
(بنو علي) رعايا في ديارهِمُ * والأمرُ تملكُهُ النسوانُ والخَدَمُ                  
لا يطغين (بني العباس) مُلكهُمُ * (بنو عليٍّ) مواليهم وإنْ رغَموا                  
أتفخرون عليهم – لا أبا لكُمُ - * حتى كأنَّ رسولَ اللهِ جدُّكُمُ 
وما توازن يوماً بينكم شَرَفٌ * ولا تساوتْ بكم في موطنٍ قَدَمُ                   
قال النبي بها (يوم الغدير) لهم * واللهُ يشهدُ والأملاكُ والأممُ
حتى إذا أصبحتْ في غير صاحبها * باتتْ تنازعُها الذؤبان والرّخَمُ    
ويسخر الشاعر من موضوع الشورى فيقول:
وصُيِّروا أمرهم شورى كأنهُمُ * لا يعلمون ولاةَ الأمرِ أين هُمُ                   
تاللهِ لاجهلَ الاقوامُ موضعَها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ويستمر الشاعر بالتنديد بالعباسيين مدعي الخلافة، بحجة قرابتهم من رسول الله (ص) وهم يمعنون قتلاً في آله، مقارنة بما فعله بنو حرب بهم قائلاً: 
ثم ادعاها (بنو العباس) إرثهُمُ * ومالهم قَدَمٌ فيها ولا قِدَمُ
لا يذكرون اذا ما عصبةٌ ذُكرت * ولا يُحكّمُ في أمر لهم حَكَمُ               
ما نال منهم (بنو حرب) وإنْ عَظُمَتْ * تلك الجرائرُ إلاّ دون نَيلكُمُ         
كم غدرةٍ لكم في الدين واضحةٍ * وكم دم لـ( رسول الله) عِنْدَكُمُ
وفي رأي الشاعر أن قرابة العباسيين من النبي (ص) لا تنفعهم شيئاً؛ لأن ما يقومون به من أعمال لا تقربهم منه، بل انها تبعدهم عنه مراحل كثيرة فيقول: 
هيهات لا قَرَّبَت قُربى ولا رَحِمٌ * يوماً اذا أقصت الأخلاقُ والشيمُ          
كانت مودة سلمان له رحماً * ولم يكن بين نوح وابنه رَحِمُ
 ومما يلفت النظر أن تشيع أبي فراس شديد الوضوح في هذه القصيدة، رغم انه كسائر بني حمدان يحرص على الكيان العباسي والسياسي، إلا ان هذه الغيرة لم تمنعه من التعريض ببني العباس وغدرهم بالطالبيين. ومن الملاحظ أيضاً أن أبا فراس لم يتناول الاغراض الدينية في شعره، إلا في التعبير عن تشيعه لآل البيت (ع) وتوسله بهم لبلوغ النجاة واحراز الأماني يوم العرض، باستثناء قصيدته الشافية التي ذكر فيها عداوة العباسيين للعلويين واضطهادهم إياهم، وان تشيع أبي فراس وأسرته أمر معروف مشهور.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منتظر العلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/29



كتابة تعليق لموضوع : فضائل أهل البيت عليهم السلام في شعر أبي فراس الحمداني 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net