-1- عكاظ
وأنا أندفع نحو فجر جديد واستقبل الشمس، بحرارتها العالية ، في مدينتي الجنوبية رحلتُ في شوارع تاريخنا القديم ، التاريخ المكتظّ ،بأشياء ،وأشياء ،وشخصيات لها الدور الكبير في تأسيس حضارتنا العربية والإسلامية ، ولكنّني كنتُ أحمل زادي لكي أتجوّل بمسرّة أنيقة ، في مسافات فضة التراث ،وأنا أحمد الله الذي فتح لنا أبوابا لحب ّالعلم والمعرفة، فالحمد لله كثيرا، حتى طوفت في بحار ..وبحار، وسرتُ وحدي في صحارى واسعة ، تمتد فيها الرمال المتحركة ،والثابتة ،على صدر الليل ،وقلب النهار . وعشتُ في خضم كرنفال ،أدشّن فيه حياة جديدة قديمة ، نعم ضحكتُ حينا من الحزن وضحكتُ مرات .. ومرّات وأنا أرى بعد هذه السنين الطويلة ،أسواق العرب .. تلك الأسواق الرصينة .
( عكاظ) في واد ، يرتجّ بين النخلة والطائف ،كما ترتجّ قلو ب العشّاق انّه مجتمع العرب الأول ، فهو نقطة الابتداء ،نعم نقطة الابتداء ، والخطوة الأولى للتوجّه إلى الحجّ الأكبر .
و(عكاظ) تعني- تعاكظ القوم- تفاخروا (وكم كان الفخر بين العرب..!) وقد اتخذت سوقا ، بعد عام الفيل ،بخمس عشرة سنة .
ثمّ بقيت في الإسلام ،حتى سنة 129 هجرية كان السوق مشهد القبائل كلها ،نافذة مفتوحة أمامهم و يعدّ معرضا لكثير من العادات التي تعبر إلى الشفق البعيد نافذة يتعلقون بها جميعا ، بالكلمة السائرة ، والخبر المرسل ويقف العالم مبهورا ، مذهولا ، بتراتيل الشعراء الشعراء الفحول ، أصحاب القصائد المذهبة التي سماها- بعد ذلك- حماد الراوية بـ(المعلقات) وفي هذه السوق ،خطب الخطباء وفتح قس بن ساعدة الأيادي ، خطبته المشهورة ،والخالدة ولاشكّ في ذلك ،فانه الحكيم ،الذي لا نهاية له خطب الناس ، على جمل أورق، فقدم النصح والإرشاد وذكّر بالأعمال الخالدة، وكلّ ما هو آت.. آت وعلى أرض السوق ،ضربت للنابغة الذبياني ،قبة من أدم ليتحاكم إليه الشعراء ، فانحنى الجميع لقامته وهم بانتظار رأيه فيهم :- في أيّهم أشعر ،وفي أيّهم أبلغ لكي يعمّق تجاربهم ،ويضيء نصوصهم وقد أنشده فيها الأعشى ،والخنساء، وحسان بن ثابت ،وعمرو بن كلثوم :- ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندر ينا وعكاظ يمثّل لقاء والتحاما حميما ،ووسيلة للكشف والإضاءة ، واستمرارية للحياة
2- المربد صفحة جديدة
أزهرت الأرض، وفاح الطلع، وظهرت محبة عادلة فمشى في هذا المعنى ، بعد ظهور الإسلام مربد البصرة، تختلج في شفتيه الكلمات وقد أزدهر، والنور يفيض من عينيه ،
وصار من أشهر محال البصرة والمربد- محبس الإبل والغنم- وهو أيضا :- بيدر التمر، لأنه يربد فيه ،فيشّمس....! والحقيقة تكمن في الأرض ،ارض البصرة المعطاء التي أعطت قلبها للشعراء.... لكي يتوجوا به سنوات خلودهم ،وهم يكتبون أناشيد القمر ويتركون وجوههم على شرفات الصباح تبوح :- وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى ولا خير فيمن لا يحبّ ويعشق وقد كان ممن يختلف إلى المربد- على الأغلب - الشاعر الرقيق العباس بن الأحنف فنما حسه الفني ،بين سوق المربد وحلقات المسجد....! المربد احتفظ بكثير من خصائص أسواق العرب الأولى ، وربما زاد عليها بميزات واسعة ،أسبغتها الحضارة الجديدة واقتضتها أبعاد الرقي ، سوق المربد مرآة تعكس حياة البصريين ، سوق يعج بأعلام اللغة ،الأدب ،النحو، الشعر و...... !ومعهم محابرهم ودفاترهم ، وكانوا يكتبون عن فصحاء العرب ، والمربد يشبه عكاظ في أمر الشعر وحلقاته ، ومجالسه بل يزيد عليه ، فلكل شاعر حلقة، يحلّق فيها مع سربه ولكلّ قبيلة ناد ، وشاعر يرد، ويذود ، ويثري ، يغني ويقتني إنهم في ميدان الإبداع ، الميدان الأصعب ، والأجمل يمتحنون مهاراتهم ،وقد أثبتوا للعالم كله ، أنهم قادرون على الإنجاز، بإبداع يوقظ الحواس الخاملة ، ويحرّك نبضات القلوب، ويشعل الأرواح بنار الأدب المجنّح بحياة حرة كريمة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat