(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 45 // (البعد الإنساني... النصيحة)
علي حسين الخباز
علي حسين الخباز
يتنامى أدب الدعاء في كل زمان، وتتجدد قراءة الصحيفة السجادية لتكون علما ومعرفة في المجالات الحياتية كافة وقيما تربوية تهدف للارتقاء الإنساني، وكتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي ركز في الجزء المخصص لإصلاح النفس على بنية المعطى التربوي لمنهج أهل البيت عليهم السلام، والتزود بالطاقة المعرفية، لتحقيق التوازن الإدراكي، عبر مفهوم النصيحة، ولكي نفهم قيمتها التربوية علينا أن نتأمل في تشكيل الارتباط الإنساني بالله سبحانه تعالى، حيث عرض لنا في المقدمة أربعة أفعال أمرية بصيغة الدعاء
(وفر ــ صحح ـــ استصلح ــ اكفني)
ثم الحق بها الطلب
(وفر ــ بلطفك ــ نيتي
صحح ــ بما عندك ــ يقيني
استصلح ــ بقدرتك ــ ما فسد مني
أكفني ــ ما يشغلني)
وهذه المقدمة توضح لنا قوة الخالق وضعف المخلوق، وتبين لنا مساحة الدعاء ومؤثراتها الإنسانية، ننظر إلى دقة الأثر بما يهدف إلى توفير وتصحيح واستصلاح واكتفاء، وهذا يدل على أبعاد أخرى تلج العمق المعنوي للقضية، إن الإنسان يسعى لطلب المعونة من الله سبحانه ليؤدي التكاليف المفروضة باستقامة، فهو يبحث عن سلامة النية والتي لا تكتمل إلا بلطف الله تعالى، واليقين الذي لا يكتمل إلا بتصحيح بما عند الله من حق وعلم وقيم الثبات ليقوي بها يقينه، ويستصلح ما فسد منه بقدرة الله سبحانه والاكتفاء بفيض رحمته.
ويذهب سماحة السيد أحمد الصافي إلى أبعاد أكثر غورا في النفس، ليضعنا أمام مجموعة تكاليف تمس صفاء النوايا، وعمق اليقين الإنساني والإصلاح بجميع نواحيه ومعانيه والاشتغال الفكري بالإيمان به ووسع رحمته، ومن هذه العوالم سيكون التفاوت في الاستجابة، ويظهر قيم الفكر بأن الله سبحانه وهو المدرك، لا نريد أن نبقى في النهج التفسيري لظواهر الجمل بل نريد أن نلج العمق المضموني المعد على عدد من الرؤى المهمة.
1- رؤية الله سبحانه تعالى في أدق تفاصيل الحياة.
2- الخوف من الله تعالى قبل الخوف من أحد.
3- استحضار الله تبارك وتعالى في كل خطوة.
4- أن نكون ممن يأمر بالمعروف ويفعله، ولا يفعل غيره.
5- ونوصي بالتقوى وفعل كل ماله تقاوة ونقاوة وصلة برحمة الله تعالى.
ويشكل البعد الإنساني محورا رئيسيا وأساسيا للاتجاه الوجداني في أدب الدعاء، والارتكاز على (النصيحة) بما تمتلك من قدرات وجدانية تبعث على الوعي والتغيير والتألق بإنسانية الجوهر الإيماني، لتحقيق السمو السلوكي والأخلاقي للوصول إلى أعلى مراتب الالتزام.
***
(النصيحة الأولى)
يرى سماحة السيد أحمد الصافي في مصابيحه، علينا ونحن نقرأ تلك الأدعية ونستمع لها أن نستحضر الإمام عليه السلام وكأنه هو الذي يقرأ لنا الدعاء بروحه وبحرقة العصمة التي تتوقد فيه، ستكون القضية أعمق وذات بعد نفسي ومعنوي، ووجه من أوجه النشاط التأثيري الذي له أبلغ التأثير واوقع الأثر في النفس، وهذا الفعل المؤثر يبين مدى جدية بعث التصورات النفسية لتكون المحصلة فكرية، والاعتماد على الواقع الذهني، وتصور حضور الإمام يزيدنا قوة ارتباطنا بالله سبحانه تعالى، وهذا ما نحتاجه.
***
(النصيحة الثانية)
الأثر التربوي لدعاء مكارم الأخلاق يجسد لنا فاعلية مكانة الإمام عليه السلام، كونه من الأدعية المهمة التي أوصى بها أئمة أهل البيت عليهم سلام الله، وعلماء الشيعة رضوان الله عليهم، وطلبوا التأمل فيه، وقراءة محتواه والعمل بمعانيه.
استطاع الإمام السجاد عليه السلام، أن يصل إلى جميع مفاصل الحياة سواء أكانت فردية أم اجتماعية وأن يأخذ بيدنا إلى الحق ويوضح لنا ما خفي عنا ويبين لنا معالم الطريق من خلال هذه المجموعة النفيسة من الأدعية.
***
(النصيحة الثالثة)
إن التربية في المنهج التربوي لأهل البيت عليهم السلام، تؤسس العديد من المفاهيم التربوية الراسخة في المجتمع، من خلال بث روح الوعي، كلما ازداد الإنسان علما حسن دعاءه، وحسن الدعاء يتطلب من الإنسان أن يعرف خباياه النفسية ويعرف قبل كل هذا المديات الواسعة لرحمة الله تعالى، ويدرك أبعاد احتياجه ليكون الطلب أمام موائمة الإعانة.
نقطتين مهمتين لطلب الإعانة من الله سبحانه تعالى.
الأولى... للأمور الدنيوية أهدافها متطلباتها وتسهيل الأمور الحياتية.
الثانية... الإعانة على بلوغ الآخرة، توجيه الاهتمام إلى ما يتصل بالجوانب الروحية.
الإمام عليه السلام يركز على مسائل قد تخفى علينا، هذا جانب تربوي مهم معرفة قدرة الوعي المحدد عند الإنسان تجعله لا يستطيع احتواء جميع الأمور ورؤيتها بوضوح، لذلك تعطينا الكثير من القيم الغير مدركة، لأن قدرة الإنسان على الفهم تتفاوت من إنسان إلى آخر، من وعي لوعي آخر، وهذه الأمور التي تفوتنا بالتأكيد هي لا تخفى على الله سبحانه، وهذا هو جوهر النصيحة، أن يطلب من الله تبارك وتعالى أن يتدارك هذه المسائل.
هناك قضايا حسية وجدانية،
علي الخباز, [08/01/2025 12:34 ص]
ونعني مقدرة الله سلطة على أن يوفر لنا نيتنا إلى خير، ليستقيم العمل النافع والذي هو قربة لله تعالى، لإدامة الركائز النفسية التي تدعم قوة الإيمان عنده، ليكون الوعي منتجا للصلاح ودافعا مؤثرا نابعا من الإحساس الإنساني، واستقامة الأطر المعرفية لتحصين الذات ضد الأهواء الشيطانية الساعية لصرف الناس عن النوايا وجعلها منفلتة غير مرتبطة بأصل العمل
***
(النصيحة الرابعة)
كل فلسفات العالم لا تنفع الإنسان وكل النظريات والمفاهيم لا يمكن أن تنقذ الإنسان من سوء المصير دون وجود الإخلاص، لا فكر إيجابي دون الإخلاص، لا عمل مثابر دون الإخلاص، لا صلاح دون الاخلاص، ويؤكد سماحة السيد هذا التوقيع، بأن الذي ينجو من العاملين هو المخلص، وهو يحتاج إلى أن يتداركه الله سبحانه تعالى
***
(النصيحة الخامسة)
هناك تصور عقلي ينمي الشخصية الإنسانية، وهذا التصور هو منبع الإيمان، وإذا جف هذا المنبع اختلفت النوايا، أساس هذا التصور أن يكون العمل قربة لله تعالى فعلا ليس قولا، البعض يرى أن فضل العمل الصالح هذا مرتكز من مرتكزات الإحباط.
يحبط عمله بنفسه، العمل الخالص لا يحتاج إلى فرجة لنوال الاستحسان والثناء من الاخرين.
***
(النصيحة السادسة)
العقيدة السليمة
للعلم والمعرفة حسنات تعرفنا بالحضور الالهي، عبر الفارق الملحوظ بين قبول الله تعالى العمل وبين الرغبة الشخصية في أن يقبل الله تعالى عمله، لكون موازيين القبول الإلهي والتقييم الرباني الخاص قد لا يشكل في أعين الناس قبولا كما يناله عند الله سبحانه تعالى، الإمام السجاد عليه السلام يريد إن يؤسس لشيء تقبل فيه الأعمال، وتجعل المنة لله سبحانه تعالى، والاستعانة بالله تعالى أن يتم النية، حتى اليقين يحتاج الى يقين
**
(النصيحة السابعة)
من الممكن اعتبار الوعي هو فكرة استثمار الجمال والمنفعة الروحية ليكون هذا الوعي فاعلا، حاسما في اختيار الزمن المناسب واستثمار الوقت المناسب ومنها وقت المناسب للدعاء، وأن ندعو بدعاء يعيننا في الدنيا والآخرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat