كانت هنا الزوراءُ
د . بهجت عبد الرضا

يعاتبني بعض الأصدقاء على طابع الحزن المتكرر في قصائدي ولذلك أحيانا أكتب قصائد ولا أنشرها 

لا على مستوى الأصدقاء ولا على مستوى مواقع التواصل والتدوين في الإنترنت كي لا أزيد الاكتئاب لدى

العراقيين. ومن هذه القصائد، القصيدة التالية والتي لم أنشرها في حينها للأسباب المذكورة إضافة إلى بقايا أمل 

كانت لدي بتحسن الأوضاع في بلدنا عموما وفي بغداد خصوصا ولكن سلسلة التفجيرات الأخيرة في بغداد 

قضت على بقايا الأمل ولذللك أنشر هذه القصيدة:

كانت هنا الزوراءُ... 

كانت هنا فيما مضى

أرض بها التاريخ والعلماءُ والأدباءُ...

ما للمدينة أصبحت

قبراً جماعياً به أحياءُ...

موتى يعيشون انتظار الموتِ 

كل دقيقةٍ

فعيونهم قـلَــقٌ تراءى والقلوب هواء...

مكتظة بهم الشوارع ظاهرا

ووجودهم فيها سدى وهباء...

وردُ الأسى متفتحٌ

فوق السطوحِ

وخلف أبواب البيوتِ

وفي النفوسِ

كأنما هو لعنة ووباء...

شخص يموتُ

يموت شخص آخرٌ

ألفٌ يموتُ وألفُ ألفٍ

ما المهم؟ 

وهل هنالك أي فرقٍ غير صفرٍ

إنه الإحصاء...

نحن القرابين التي لا تنتهي

نهـرُ الذبائح نحنُ، ماجفت لديه دماء...

هل عاش فعلا ذات يوم ها هنا

شعب لديه حضارة

زرع التراب وأمطرته سماء...

وتنوعت أيامهُ

وتعددت ألوانهُ

مرت به الضراء والسراء...

أم أن هذي الأرض كبريتٌ

ونارٌ فــرّ منها الماء...

ما للدروب تشيع القتلى 

وترقب غيرهم

في كل درب مأتم وعزاء...

تشكو صداعا مزمنا هاماتنا

عبثت بنا الأنباء والأصداء...

ورحى الزمان بنا تدورُ

ولا يـقـــرّ قرارنا

ما للثبات رجاء...

ونـفــرُّ في كل اتجاهٍ

باحثين عن الخلاصِ

يظل يسأل بعضنا بعضا

ترى ماذا جرى 

هل ثارت الآفاق والأجواء...

يوم القيامة جاءنا؟ 

أم نحن في هذا العذاب لوحدنا

لا يسمع الزمن الردئ صراخنا

آذانه صماء...

أين الحقيقة أينها

هل لفها زيف الجرائد والسياسة فاختفت

ماهذه الأحداث والأشياء والأسماء...

هل نحن وقف للمآسي

لا يباع ويشترى

ويظل مجانا يباح ويستباح

يروده الغرباء... 

وطني كطفل مُـقعـدٍ

وتقوده نحو المهاوي  

فتنة عمياء...

الدين صار شعارنا وقناعنا

إبليس أصبح يقتدي بنفاقنا وخداعنا

مات الضمير ولم يظلّ حياء...

كثرت مساجدنا وقل خشوعنا

ولأجل ذلك حين ندعو ربنا

لا يستجاب دعاء...

بعض العمائم تنشر الطاعون وسط بلادنا

بعض المآذنِ مابها نورٌ

وتنفث شرّها

فكأنما هي حـيـّـة رقطاء...

كلماتنا عـهــرٌ بلاغيٌ

وتعبيراتنا كذبٌ 

وكل سطورنا بلهاء...

ماذا يجفف دمع أرملة وأمٍّ ثاكلٍ؟

أبلاغة؟ أخطابة؟ أقصيدة عصماء؟...

جثث تظل على الرصيفِ

فهاهنا طفل تفحمَ

ها هنا صدر تهشمَ

ها هنا أحشاء...

جثث الضحايا إذ تموتُ

تقول شعرا لاذعا في هجونا 

إذ أننا نبقى بعار حياتنا

أشباهَ أحياءٍ لأن نفوسنا جوفاء...

ونكفن القتلى بنعي جاهزٍ

وتظل عارية مواقفنا

وليس يصونها نعي لهم ورثاء...

سِــر إن خلفك إنفجاراً

قـف أمامك إنفجارٌ

سـر وقـفْ

لا تنفعل لا ترتجفْ

هي لعبة قـسـريّـة حمقاء...

بغداد أنت القلب في وطني 

فلو قتلوك يوما 

كيف تحيا بعدك الأعضاء...

كانت هنا الزوراء...

بغداد - 22  آيار  2013

الموضوع السابق تَذَكّر وَأنْتَ في القِمَّة ...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat