بسم الله الرحمن الرحيم
لسورة يوسف الشريفة فضائل كثيرة , لعل من ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال (عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة يوسف في كل يوم أو في كل ليلة بعثه الله يوم القيامة وجماله على جمال يوسف ولا يصيبه فزع يوم القيامة وكان من خيار عباد الله الصالحين ) .
الا ان هناك محذورات لقراءتها وتعلمها وحتى استماعها للنساء على حد بعض الاراء , ولعل ابرز الاحاديث في ذلك :
1- ما جاء في الكافي : ( عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تعلموا نساءكم سورة يوسف عليه السلام ولا تقرؤهن إياها فإن فيها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ ) .
2- ما جاء في كتاب الخصال : ( عن الباقر عليه السلام يكره لهن تعلم سورة يوسف عليه السلام ) .
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{1}
( الر ) , تقدم الحديث عنها , ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) , واضح المعاني لمن تدبر وفكر , ظاهر الاعجاز , مميزا للحق من الباطل .
هناك عدة الفاظ اشارت الى القرآن الكريم ( القران , الكتاب , الفرقان , الذكر ) , فأما ان تكون مترادفات لمعنى واحد هو القرآن الكريم , او يكون لكل منها معنى خاصا حسب موقعه من الاية الكريمة .
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{2}
الاية الكريمة السابقة اشارت الى انه ( الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) , بينما جاء في الاية الكريمة ( قُرْآناً عَرَبِيّاً ) , فتكون المحصلة ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) , كتاب واضح المعاني , ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) , نزل باللغة العربية التي يتكلم بها القوم , ( لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) , بما انه نزل بلغتكم ولهجتكم , فحري بكم ان تدركوا ما جاء به , تفهموه وتدبروا معانيه , وتفقهوا اهدافه وغاياته .
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ{3}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) : ما اشتملت عليه ( القصص ) من العبر والمواعظ والحكم .
2- ( بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ ) : بإيحائنا .
3- ( وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) : عن هكذا قصص , لم تطرق سمعك يوما , ولا تعلمها الا بما جاءك به الوحي , ومن هذه القصص قصة يوسف (ع) .
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ{4}
تستهل الاية الكريمة بسرد قصة يوسف الصديق (ع) , ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ ) , يفتتح (ع) الكلام مع ابيه يعقوب (ع) , مخبرا اياه عن رؤيا رأها ( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) , بإيجاز ملحوظ احد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له (ع) , دون الاسهاب بالتفاصيل .
وهذه من اداب الرسل والانبياء , حيث يكتفون بــ ( خير الكلام ما قل ودل ) .
قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{5}
تروي الاية الكريمة جواب يعقوب (ع) ليوسف (ع) وكان في ثلاثة محاور :
1- ( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ) : نهاه (ع) ان يتكلم بشيء من هذه الرؤيا لاخوته , فأما ان يدركوا تفسيرها , او يبحثوا عن من يفسرها لهم .
2- ( فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً ) : اورد النص المبارك سبب النهي , عندما يدرك الاخوة معنى الرؤيا , هناك احتمال شديد على انهم سوف يسعون لهلاك يوسف (ع) هلاكا جسديا , لكن هناك سؤالا يطرح نفسه , كيف علم يعقوب (ع) بذلك ؟ , هناك الكثير من الاحتمالات , لعل ابرزها :
أ) ادرك يعقوب (ع) ذلك بالحدس والفراسة .
ب) ان يعقوب (ع) كان يتوقع ان يحدث ذلك , فحاول جاهدا الحؤول دونه او تأخير حدوثه .
ت) ان يكون (ع) قد لاحظ حالة الحسد والتباغض بين ابناءه , فحري بهم ان يحسدوا يوسف (ع) على مثل هذا الامر .
ث) كان نهيه (ع) من باب الحذر .
3- ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) : ظاهر العداوة .
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{6}
تستكمل الاية الكريمة الموضوع , ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) , يصطفيك , ( وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) , تعبير الرؤيا , ومنها الرؤيا الصادقة , والرؤيا الكاذبة الناتجة عن احاديث النفس ومداخلات الشيطان , ( وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ) , تمام النعمة بالنبوة , واتصال نعمة الدنيا ( بالنبوة ) بنعمة الاخرة في الدرجات العليا في الجنة , ( إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) , ( عَلِيمٌ ) , بمن يستحق الاصطفاء وتمام النعمة عليه , ( حَكِيمٌ ) , في صنعه وتدبيره , ينزل الاشياء في ما يجب وينبغي ان تكون .
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ{7}
تشير الاية الكريمة الى ان قصته (ع) مع اخوته ( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ) , دلائل حكمته وقدرته عز وجل , وكذلك فيها علامات مؤكدة لنبوة محمد (ص واله) لكل من توجه بالسؤال عن قصتهم ( آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ) .
في الجوامع روى أن اليهود قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وقصة يوسف قال فأخبرهم بالقصة من غير سماع ولا قراءة كتاب . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني ".
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{8}
تروي الاية الكريمة حوارا در بين اخوة يوسف (ع) , حيث قال بعضهم لبعض ( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ) , ان يوسف (ع) واخاه الشقيق بنيامين احب الى ابينا منا , ونحن جماعة , والحال ان الجماعة اولى بالمحبة والايثار والتفضيل , لما يتوفر لديهم من عناصر القوة والسند , من صغيرين لا كفاية فيهما , ولا احتمال لهما على المهمات , ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) , ان ابانا يعقوب (ع) على خطأ واضح في تفضيله علينا صغيرين , وعدم مساواته بالمحبة بيننا .
اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ{9}
تنقل الاية الكريمة اقتراحين للمؤامرة :
1- ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ ) : القتل .
2- ( أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً ) : ان يلقى يوسف (ع) في ارض بعيدة ومجهولة .
وتذكر الاية الكريمة محصلتين لهذين الاقتراحين :
1- ( يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ) : الهدف من القيام بأحد المقترحين , ان يقبل ابيكم عليكم بعد غياب يوسف (ع) بالقتل او بالاستبعاد .
2- ( وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ ) : يتضمن النص المبارك امرين :
أ) يشير الى التوبة بعد هذا الفعل .
ب) التخفيف من وطأ وعبأ هذه المهمة , ليكون فيها شيئا من التسلية والترفيه عن اخوة يوسف (ع) , فيهون عليهم القيام بها .
قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ{10}
تروي الاية الكريمة ان احد اخوته (ع) وهو يهودا تدخل في الوقت المناسب ليمنع قتله , وطرح اقتراحا اخر ( لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ) , نهي عن قتله (ع) , مقترحا رميه بالبئر المظلم , ( يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ) , يأخذه بعض المسافرين او احدى القوافل , فيذهبون به بعيدا , ( إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) , ان كنتم عازمين وماضين في هذا الامر ( التفريق بين يوسف وابيه "ع" ) .
قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ{11}
تشير الاية الكريمة ان اخوة يوسف (ع) بعد ان قرروا وحزموا امورهم على ابعاده (ع) قالوا لابيهم يعقوب (ع) ( قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ) , فيما يبدو ان يعقوب (ع) قد رفض ارسال يوسف (ع) معهم في بادئ الامر , لكنهم اصروا على ابيهم , وقرروا له ( وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ) , نرأف بحاله ونشفق عليه , ولا نريد له الا الخير .
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{12}
يستمر اخوة يوسف (ع) في الحاحهم على ابيهم (ع) ( أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) , ارسله معنا الى الصحراء , حيث ( يَرْتَعْ ) , يفرح ويسر بالمراعي الخصبة , ( وَيَلْعَبْ ) , بالاستباق ونحوه , ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) , ومن جانبنا سنقوم بحمايته والحفاظ عليه من كل محذور تخشاه وتخافه عليه .
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ{13}
تروي الاية الكريمة جواب يعقوب (ع) لأبنائه وكان في ثلاثة محاور :
1- ( قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ ) : احزن لمفارقته , وقلة صبري عنه .
2- ( وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ) : كانت تلك الارض ( الصحراء ) مليئة بالذئاب , هنا وفرّ (ع) لابناءه عذرا لم يمر على خواطرهم ! .
3- ( وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ) : مشغولون .
قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ{14}
تروي الاية الكريمة رد ابناء يعقوب (ع) على ابيهم ( لَئِنْ ) , لام القسم , ( أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ ) , لئن اكله الذئب ونحن جماعة قوية , انا اذا لخاسرون , لا نفع فينا ولا خير يرتجى منا .
كان في قسمهم وكلامهم ما يطمئن يعقوب (ع) ان يرسل يوسف (ع) معهم , فوافق ! .
( في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تلقّنوا الكذب فتكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الأنسان حتى لقنهم أبوهم .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام قرب يعقوب لهم العلة فاعتلوا بها في يوسف ، العياشي عنه عليه السلام إنما ابتلى يعقوب بيوسف إذ ذبح كبشا سمينا ورجل من أصحابه محتاج لم يجد ما يفطر عليه فأغفله ولم يطعمه فابتلى بيوسف وكان بعد ذلك كل صباح مناديه ينادي من لم يكن صائما فليشهد غداء يعقوب فإذا كان المساء نادى من كان صائما فليشهد عشاء يعقوب ، وفي المجمع والعلل والعياشي عن السجاد عليه السلام مثله ببسط وتفصيل ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني ".
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat