صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

رغيف انطباعي ... الكاتب صباح رحيمة
علي حسين الخباز

 

يسعى أغلب كتّاب الواقعية لاحتواء الواقع المعاش دون النظر الى منهجية محددة سعيا لتمثيل الواقع الذي يحمل بين ثناياه بؤر جمالية أكبر من أي تكوين منهجي، فيصبح الواقع عندهم التزاما وهوية انتماء. وبهذا المفهوم نستطيع ان ننظر الى رواية (جسر الخر) على انها هوية الكاتب (صباح رحيمة) والذي استهل مفتتحه الروائي بسردية وصفية احاطت بكل تفاصيل القرية من مكونات مكانية، وشخوص وتعريفات قدمت سيرة ذاتية لقرية (النواب ضباط) مستفيدا من ثراء التكوين المرجعي للقرية بشخوصها وتراثها الشعبي وبألعاب اطفالها الجميلة (كالجعاب، والبقرة، وغميضان، وصگله) بحفلات افراحها كحفلة ختم القرآن، وعوالم رمضان، و(الماجينه) وصور جميلة تشكل تداعيات عالم جميل وهوية شعورية تعمق كينونة الحدث دون ان تضع عقدا اسلوبية تعرقل صياغات نقل الحدث بشفافية تنفتح على عالمين متناقضين داخل بقعة مكانية واحدة. (جسر الخر) - الحارثية: بيوت طين واكواخ بجانبها قصور فخمة، اجساد طفولة غضة امام ملوحة أوجه كالحة بالجوع، قرية تنتهي وحي ينمو.

  فقد تعامل (صباح رحيمة) بذكاء عندما سعى لحضور القرية وتغييب عالم القصور وعاملها كأنها محطة حلمية ، عالم جميل لكنه ليس لنا، ولذلك نجد ليس هناك شخصية محورية بل سمات مجتمع يشكل مدينة مستقبلية. مثل هذه الوصفية للمكان والشخوص المصوغة لأسئلة وجدانية تطالب بتفسير معنى النصيب، وما تعنيه كلمة أرزاق، لتشكل ثنائية المشهد النقيض بين القرية والحي المجاور بواسطة تراكيب مشهدية مشحونة بالموحيات؛ فالقرية وطن النازحين من جور الاقطاع ورغم محدودية حياتها وبساطة تكوينها الا انها قادرة على تصدير الجمال عبر رسام الصف الى قلب الحارثية ليؤدي وظيفة الرسم وظيفة جمالية، لكننا نجد ان التداخل بين العالمين مرهون باحتياج حي الأغنياء وليس برغبات القرية الفقيرة.

   تفاصيل واقعية ولشدة واقعيتها من الممكن توقع اغلب احداثها الثانوية بسبب تعرش الدلالات المرسومة ضمن فضاءات السرد النمطي، لكن التوغل في البنية النصية سيمنحنا عوالم أكبر من الواقع نفسه، فثمة اجتماعات سرية اعتبرت نواة تكوينية للحزب الشيوعي في القرية تجتمع ليلا كما اللصوص، وتتداول اسرارها عبر التخفي معبرا عن ظلامية التكوين.

  علاقات تأخذ شكل الشبهة الاخلاقية مع محاولة ذكية تسعى الى ابعاد التكوينات العائلية لهذه الشخصيات الظلامية عن محور الشبهة لكونها تمثل شرف القرية عبر متغير سياسي عام (الثورة) انفتحت الرواية على عالم اخر كشف ما وراء القرية (ملك - ملك من ورق ليس إلا - لكن خوفي على اهل قريتي، شبابنا الذين يتولون حراسته - اخشى ان يقتلوا بين هؤلاء واولئك) انعكاسات مقتل العائلة المالكة على القرية الصغيرة ليكون منها المقتول مع الملك ومنها الثائر ضده، ظهرت امتدادات جذرية وصراعات كبيرة وعلاقات جديدة قلبت الموازين واستبدلت مواقع اجتماعية بأخرى المجنون (صادق) صار مسؤولا، والموظف البسيط (ابو نعيم) صار قائدا، وتنامت مخاوف جديدة (الذي ينكر وجود الخالق ولا يقر بالأنبياء والأوصياء ويرى ان الدين هو سبب التخلف وتعطيل الحياة).

  اذن ثمة تناقضات مثلت واقعية الجسر عبر تفاصيل حياتية مملوءة بالمخاوف والقلق مرسومة بعناية وفق مشاهد وانتقالات استرجاعية عكست تباينات دقيقة وكبيرة بين الحزب - المجتمع- تباينات فكرية صعدت فاعلية المشهد النصي جماليا حيث هيأت لنا وجود ذهني لمسعى تلك التفاصيل المشكلة لمعنى الصراع وارتعاشات ابي نعيم المتعاقبة وفضول ياسين العطار مع واقع اجتماعي... وتوزيع أراضي، سلسلة سجون، تعذيب، استشهاد الحاج فليح، والشاب صالح... نقائض واقع يسأل (صباح رحيمة) به المكان يبقى على الانسان ان يعيش مسلوب القول والحكم والمعتقد والمحاولة وكيف تملأ الصحف والاذاعات تصريحات تشهر بالعدالة والحرية وكيف؟ وكيف؟ ولتشكل هذه الأسئلة واقعا هي الاخرى داخل الواقع الحياتي المعاش متمثلا صور الحدث الكلي لرواية حافظت على الديناميكية الاجتماعية والنفسية في حبكة تسجيلية راهنت على ان تكون نسيج عمل مبدع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/03



كتابة تعليق لموضوع : رغيف انطباعي ... الكاتب صباح رحيمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : صباح رحيمة من : العراق ، بعنوان : شكر في 2011/08/10 .

شكرا لاخي الشاعر والاديب الكبير علي الخباز على ما خطه يراعه
وهي شهادة اعتز بها .






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net