صفحة الكاتب : د . حسين القاصد

الاستغفال النقدي ... مقال نقدي يصلح لجميع القصائد
د . حسين القاصد

 ((الذي يقرأ ديوان (....) للشاعر المبدع والكبير(....) نجده مضطرا ليقف عند كل صورة ولفظة، لأن مواءمة اللفظ للمعنى جاءت في هذا الديوان على خلاف ماقاله الجاحظ ( المعاني مطروحة في الطريق)؛ فعنوان الديوان وحده يحتاج الى اكثر من قراءة  مطولة لتفي حقه، لكنني في هذه القراءة المستعجلة أحاول الالمام والاحاطة بالمعنى الشعري الذي جعل بين العنوان والديوان ألفة رائعة لذلك جاء الديوان كما يقول المثل الشائع (اسما على مسمّى)؛ فامتداد المعنى المنساب كانسياب الماء العذب من الغلاف مرورا بالاهداء ـ الذي غالبا ما يهمله نقادنا الكبار والصغار على حد سواء ـ حتى الوقوف على عتبة الديوان حيث مطلع القصيدة الأولى؛ فالشاعر لا يلجأ ـ كما هو مألوف ومتعارف عليه الى المطالع المباشرة، فحين نقرأ قوله: (.......) نجدنا مشدودين الى النص، لا نستطيع التحرر من سطوته على مخيلتنا، هذا فضلا عن إمكانية الشاعر المذهلة المتمثلة بقدرته على التصوير كما في البيت الاتي: 

(......) ولا اظن أن أحدا سبق الشاعر في ابداع صورة كهذه، لأن اعتماد شاعرنا على الانزياح والتكثيف مكنّه من أن يقول ما يريد بكلمات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ؛ فهو بمقدرته الفذة هذه استطاع أن يأتي بمعنى واسع في مساحة ضيقة، فهو يعتمد على تفجير اللغة والاشتغال داخل المعنى ليتمكن من جعل اللغة طيعة لما يريد وكأنه يشعر بقصور اللغة أمام المغزى الكبير الذي تنشده قصائد هذا الديوان.
 يباغتنا الشاعر منذ الوهلة الاولى بإيقاع مضطرب يدلل على الاضطراب النفسي والمعاناة التي يعيشها، فقديما قالوا: (الشاعر مرآة المجتمع ) لكن هذه المرآة تنقل لنا صورا ملونة بالأسى والعذوبة في آن واحد، ففي قصيدته: (..........) 
  نشعر بالوجع اللذيذ من مطلع القصيدة ثم يبدأ بالاحتدام في البيت السابع، ولعل هذا الاضطراب زاد من تعلق القارىء ومراقبته لنبض النص حتى نهايته، حيث يستمر القلق الذي جعل من بؤرة توتر المكان شعلة تتحرك على شكل أبيات لتملأ المكان / الورقة، فالمكان في هذه القصيدة ينتمي لحداثة المكان بحسب الناقد الكبير ياسين النصير؛ فهرمية القصيدة جعلت من البيت الاول بمثابة القمة لترسم لنا كتلة كبيرة من الوجع تشغل (مكانا) واسعا، ولاشك ان هذا لم يكن يتأتى للشاعر لولا تسلحه بثقافة العصر، فالقصيدة تحاكي اليومي المعاش ثم تمارس علينا الإحالات النفسية إلى فضاءات قصية في زوايا العتمة فتنير مناطق الوجع الجمعي لتنصهر الذات مع الاخر فهو اذ يقول:
(..............)   فليس شرطا ـ وان كان الشاعر يخاطب نفسه ـ ان تكون القصيدة نابعة من تجربة ذاتية ـ اذا آمنا بموت المؤلف رحمه الله ـ فقد تكون القصيدة بوحا مشتركا، وقد تكون الأنا هي: (الأنا والآخر في آن واحد ) والآخر، هنا قد يكون (الأنا القارئ ) أو الـ ( هي ) المتفاقمة في ذات الشاعر وليس شرطا أن تكون الـ (هي) أنثى بذاتها انما الأنثى الشاملة، فالحرب أنثى، والحياة أنثى، والورقة أيضا أنثى  كما هي القصيدة، لذا ارى ان الشاعر يحاور أنثاه بكامل فحولته كما في قوله: وقد يظن القارئ الكريم ان الشاعر قد وقع في أخطاء نحوية كما في قوله:(...........)لذا نقول : ان ضيق افق اللغة التي لم تحتمل انثيالات البوح لدى الشاعر دفعته لتجاوز المعنى النحوي الى المعنى الحسي المتخيل، وقد هوجم من قبله شعراء كبار كما حدث لأبي تمام حين ولّد معاني جديدة لإحساسه بعدم ارتقاء لغة عصره لما يجول في خاطره من صور مبتكرة غير مسبوقة. 
 إن الشاعر حين يلجأ لقصيدة النثر فإنه يؤثث (مكانا) مفتوحا واسع الفضاء حيث يستطيع ان يستنشق الهواء الشعري بحرية كاملة، وقد يلجأ الشاعر لتضييق (المكان) ليشعر القارئ بالقيد الذي يعاني منه فيلجأ لكتابة القصيدة العمودية، كما في قصيدته:(...........) 
 وليس صعبا على المتلقي ان يرى ان شكل القصيدة العمودية يشبه بابا متكونا من صدر وعجز، وان الدخول من هذا الباب هو الدخول الى المكان الاخر الذي يمثل ينبوع المعاني الذي يغرف منه الشاعر، ولسنا مضطرين ان نشرح علاقة الباب بالمكان لاسيما إذا انتبهنا الى معمارية القصيدة وشكلها الهندسي. ختاما أقول: ان الشاعر (...) كتب القصيدة التي من المؤمل أن تُكتب بعد ألف عام )).والآن: بإمكان أي ناقد ان يملأ الفراغات بمقاطع شعرية ليكتمل المقال ويصبح صالحا للنشر او الإلقاء من على منصة اتحاد الأدباء، ولاشك ان القارئ الكريم قد شاهد وقرأ عشرات المقالات النقدية التي تشبه هذا المقال، واحترمَ أسماء نقدية اصبحت كبيرة لأنها تكثر من الكلام المجاني لا النقد، وحسبي اني لو ملأت الفراغات ونشرت المقال دون هذه الاشارة لتمكنت ان اوفر لي ولعائلتي راتبا اضافيا بفضل هذا المقال الذي يصلح لجميع القصائد، فقد اقوم بتقديم مقطع وتأخير آخر، وبذلك أسهم بنسق الاستغفال النقدي وأصبحُ ناقدا كبيرا.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حسين القاصد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/03



كتابة تعليق لموضوع : الاستغفال النقدي ... مقال نقدي يصلح لجميع القصائد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : إياد الأسدي ، في 2012/07/25 .

نعم , أصبت كبد الحقيقة وكتبت توصيفاً دقيقاً لأغلب مقالات نقادنا - هداهم الله! - فشكراً لهذا الجهد الرائع والمتميز.
تحياتي القلبية لك , ودمت مبدعاً ومشاكساً!!




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net