صفحة الكاتب : د . علي عبد المحسن البغدادي

صناعة الأفكار – إعادة بناء الماضي - وهم الديمقراطية
د . علي عبد المحسن البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ربما يكون العنوان غير مرضي لكثير من الناس,فما معنى أن ننتقد نظام بداء يسود العالم, وهو من أفضل الأنظمة السياسية التي أثبت التاريخ والتجارب جدارته,مع إمكانية تطويره ليتلائم مع كل الثقافات,ففيه الناس تعبر عن رأيها وتختار من يمثلها,ويضمن هذا النظام حرية الرأي والتعبير للجميع,بل ويؤمن الفرص السياسية والاقتصادية والثقافية العادلة للجميع,فلماذا ننقده؟,وننّظر لغيره مثلا,وهل هناك شيء أفضل حتى نكتب ونتحدث عنه بديلا عن النظام الديمقراطي؟,كل هذه الاسئلة وربما غيرها المئات مشروعة,ونقلتها هنا بلسان حال المتكلم,بوصفه مادحا لهذا النظام ومخرجاته,وهو رأي جدير بالاهتمام والاحترام,مشكلتي قطعا مع النظام الديمقراطي بوصفه نظاما سياسيا متناقضا,ومشكلتي ايضا وربما مشكلة غيريكذلك ,أن سمح لي بالتكلم نيابة عنهم,هي مع فرض نموذج معين للديمقراطية ,واعتباره هو النموذج الصحيح والذي ينبغي أن يطبق في كل العالم؟!,فهذا الأمر شبيه بل يتطابق مع  فلسفة النظم المستبدة,والتي تحتكر الحقانية في نظمها,بوصفها اي هذه النظم, هي التي تمثل الشعب وترعي حقوقه ومصالحه,كالنازية والفاشية والقومية والبعثية وغيرها مئات من النماذج,وهذا ما تقوم به أمريكا الان من فرض ما توصلت إليه من شكل لنظام الحكم,تفترض أنه الأفضل وأنه يليق بكل البشرية,وفق تصورها عن التاريخ,وكذلك عن فلسفة والسيرورة والصيرورة البشرية!؟,ففي محور إعادة بناء الماضي,والذي أنتج النظام الديمقراطي الأمريكي المعاصر,والذي يتمحور حول ثلاثة مفاصل رئيسية تشكل فلسفته العامة هي,الديمقراطية كنظام سياسي والليبرالية كمنظومة قيمية والرأسمالية كبنية اقتصادية,مع إطار عقائدي هو البرغماتية بوصفها تتيح لهذا النظام الديمقراطي الليبرالي الرأسمالي العمل بحرية,والانتقاد هنا ليس موجه للنظام فقط بل ولمخرجاته أيضا,فالسؤال المهم هو عن الأسس التي أعتمدتها امريكا والتي كونت رؤيتها حول أحقية نظامها بالاتباع دون غيره من الأنظمة؟؟!ربما يكون الجواب هو الهيمنة الحضارية التي تتمتع بها أمريكا بوصفها القوة الأولى عالميا في كل شيء!!,وهو جواب مهم وجيد ويصلح أن يكون فرضية تبنى عليها نظرية مهمة أيضا,تتمحور حول مبادئ الهيمنة وأسسها,والتي لم ولن تخلو حضارة منها قطعا,أما لماذا النظام الديمقراطي متناقض؟ فهو يؤسس لانتخاب ممثلين عن الشعب من جهة,لبناء مؤسسة حكم,ويؤسس لدكتاتورية هذه المؤسسة المنتخبة من جهة ثانية,فهو بهذا يؤسس لدكتاتورية الاغلبية في مقابل الأقلية,وبغض النظر عن وصف هذه الأقلية وانتمائها,فكيف يمكن عقلنة وتقبل نظام يؤسس للانتخاب ولحرية الرأي والتعبير وبنفس الوقت يؤسس لدكتاتورية المؤسسة المنتخبة؟!وعيب أخر أن صح التعبير,فهو يؤسس لوصول من لا أهلية حقيقية له إلى الحكم والسلطة,وربما يدافع انصار هذا النظام عنه بأن هذه المخرجات طبيعية,وتمثل روح النظام الديمقراطي وحوهره,!ولكن هذا الدفاع مردور سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار السيرورة التاريخية لهذا النظام ومخرجاته,وللتذكير فقط وليس للسرد,أعدام الحكيم سقراط في اليونان القديم"وهم مؤسسي هذا النظام",وصول هتلر للسلطة في إلمانيا,وهوكو جافييز في فنزويلا,ومحمد مرسي في مصر.وجرائم هذه الأنظمة ضد البشرية والتي مارستها بريطانيا وأمريكا في مختلف بقاع العالم,وللتذكير أيضا أني أنتقد النظام ومخرجاته بوصفهما متلازمة لا تنفك أحداهما عن الأخرى,فالاستفادة من النظام الديمقراطي في وصول السلطويين إلى الحكم عيب كبير لا يصلح أي دفاع عنه,فلا يمكن أن نؤمن بنظام هذا شكله,فدكتاتورية الديمقراطيين لا تقل عن دكتاتورية المستبدين,ومهما عدل في هذا النظام يبقى يؤسس لدكتاتورية اختارها الشعب بنفسه ورسخ مبادئها,في صناعة لوهم الحرية والتعبير عن الرأي والانتخاب,فالناس يعتقدون بأنهم عبروا عن رأيهم بصورة حقيقية وانتخبوا من يمثلهم!,ولكنهم يتناسون وهم معذورين بهذا التناسي,أن ممثليهم ساهموا بصناعة هذا الوهم,فمن وصل إلى السلطة لا يمثلهم واقعا,بل يمثل الجهة التي يتحزب وينتمي لها,فمن الممكن أن يدافع عن حقوق ناخبيه لكن متى ما توافقت مع مصالح حزبه أو جهته التي يمثلها,والنظام الديمقراطي في العراق خير شاهد على ما نقوله,فالاحزاب السياسية تمثل مصالحها أولا وتوهم الناخب بأنها مصالحه,في عملية استغفال وتلاعب بالرأي العام وبمصالح الناخبين,فلم نجد برنامجا حقيقيا طبق بصورة علمية وعملية في أي نظام ديمقراطي,فدائما يتم تعديله وتحويره بعد الانتخابات,ليتلائم مع مصالح الاحزاب الحاكمة,وربما يكون أكثر الأنظمة استقرار في العالم هو النظام البريطاني,بوصفه أعرق ديمقراطية أسست في الغرب,وربما يكون النظام الأمريكي المعدل وفق المقاسات التي فصلها مؤسسي أمريكا,هو الأخر يدافع عن مصالح احزاب السلطة بوصفها ممثلا عن الشعب!!,ولكنه لا يمثل الشعب كل الشعب,بل يمثل فئات واعداد من الناس,وبالتالي فمن يقوم بحماية مصالح الأخرين,ممن لا حول ولا قوة لهم؟!أفترض أن نظام التمثيل المباشر واختيار الشعب لما يريده,وإدارة مصالحه بذاته هو الأقرب للواقع والأقرب لتحقيق العدالة النسبية بين الناس,فالمواطنون في هذا النظام يستطيعون التصويت على ما يريدون وبما يحقق مصالحهم وبصورة مباشرة,نعم ربما يكون لجماعات الضغط واللوبيات تأثير في صناعة الرأي العام حول قضية معينة,إلا أنه يبقى الأقرب للعدالة ولو نسبيا,فنظام التمثيل المباشر يمكن أن يكون ضمن مناطق متعددة ويراعي التنوع العرقي والأثني لهذه المناطق,بحسب تشكيلها الديموغرافي,على أن تبقى المؤسسات الرسمية المركزية هي من ينظم ويمول احتياجات المواطنين,وبحسب النسبة والاحتياج الفعلي,المهم ليس التنّظير لهذا النظام,فهو أمر يطول شرحه ويحتاج إلى مدونة كاملة,بل المهم هو الخروج من ربقة عبودية النظام الديمقراطي الحالي,بشكله الأمريكي الذي يصيبنا وغيرنا بالغثيان,المهم هو بناء نظام يستطيع الناخب العراقي أن يحقق فيه طوحه ويلبي احتياجاته,بعيدا عن اللامركزية الوهمية ومحاولة أقلمة البلد بحجة تحقيق التنمية والاعمار,وبعيدا عن تحكمات مراكز صناعة القرار,والتي استعبدت الناس وأوهمتهم بأنها تدافع عن مصالحهم,فلا يمكن بناء المحافظات وبناء البلد بالنتيجة,إلا إذا باشر الناس إدارة مصالحهم بصورة فعلية وواقعية,فنظام التمثيل المباشر ينهي مهزلة الديمقراطية ويدفن وهمها في العراق إلى الأبد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبد المحسن البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/27



كتابة تعليق لموضوع : صناعة الأفكار – إعادة بناء الماضي - وهم الديمقراطية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net