صفحة الكاتب : د . علي عبد المحسن البغدادي

أكل الأناناس على القمر
د . علي عبد المحسن البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    حينما أصدر المفكر الأمريكي الجنسية الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما كتابه الأشهر(نهاية التاريخ أو الإنسان الأخير)والذي غير وجهة الفكر السياسي المعاصر,بل هدد العقائد والايديولوجيات المتعارفة بين الناس,كنت يوم إصداره شابا يافعا لم ابلغ العشرين عاما,ولم أقرء الكتاب إلا بعد مرور أحدى عشر عاما من تاريخ إصداره,وجدت عبارة(أكل الأناناس على القمر)كعنوان رئيسي لأحد فصوله,تصورت أن هذا الكاتب المفكر يمزح,ولكن بعد أن تعمقت بفكرته وجدته يتحدث عن كيفية بناء الحضارة الأمريكية(بوصفها حاضرة العالم التي لا تزول) وآليات ذلك البناء,وجدته يتحدث عن بناء الإنسان الأخير الذي يفترض الكاتب أنه سوف يكون هو الوارث الأخير للبشرية,وهو المخلص لها من عذاباتها وهمومها,ذلك هو الإنسان الديمقراطي الليبرالي الرأسمالي,ووجدته يتحدث عن الدولة الموعودة التي تخلص الناس من الظلم وتقيم العدل والقسط,إلا وهي الدولة الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية,وبعد سنوات ليست طويلة أصدر كتابه الأخر(مستقبلنا ما بعد البشري),ليقدم تصورا مكملا لفكرة كتابه الأشهر(نهاية التاريخ),ولكنه يتحدث عما بعد عصر التقانة الذي نعيشه الآن,ذلك الإنسان الذي تخلى عن همومه كلها وأصبح يعيش واقع ما كان يحلم به سابقا,الكثير من الناس في ثقافات مختلفة لا زالوا يعتقدون أن القمر إذا خسف فأن حوتا عظيما هو من يبتلعه,وقد أدركت الأهزوجة الشعبية العراقية التي كان يرددها الأطفال في الحي الذي أسكنه قبل ثلاثين عاما(ياحوته يامنحوته هدي كمرنا العالي),والأعجب من هذا الاعتقاد هو ما يدور الآن من اعتقادات(بين نخبة من المثقفين المتدينين- بغض النظر عن الدين الذي يدينون به- وغير المتدينين أيضا) حول اقتراب ظهور الإمام المهدي المنتظر,وقرب بناء الدولة الإلهية الموعودة,بل يقيمون الأدلة على هذا الاعتقاد,بل ظهر علينا الرئيس الإيراني السابق (محمود أحمدي نجاد) بأطروحة جديدة هي أطروحة الظهور الأصغر, الذي يمهد للظهور الأكبر,وهو يعتقد بأن له اتصال بالإمام المهدي المنتظر,وهو الذي يرشده,؟!من الناحية العقدية الشيعية الإمامية,يحرم التوقيت ويحرم أيضا التشخيص,أي ظهور شخص الإمام بعينه,فالذي عليه علماء الشيعة الإمامية هو ظهور الإمام وتمظهر عنوانه لا شخصه,فكل الإنسانية تنتظر مخلصا ولكل قوم اعتقاد خاص بهذا المخلص, قد يختلف عن معتعقدات الآخرين, لكنه يتفق معهم في الجوهر, إلا وهو وجود هذا المخلص,كنا نسمع من بعض (العلماء) في الحوزة العلمية في النجف,روايات تخص عصر الظهور,وكيف ينبغي أن يكون المؤمن منتظرا لإمامه, ولكنها كانت أفكار غير دقيقة عن عصر الظهور, وعن كيفية التمهيد لدولة الإمام المنتظر العالمية,فهم كانوا ولا يزالون ينظرون إلى الموضوع من زاوية واحدة فقط,هي الزاوية الدينية دون غيرها,أي كانوا ولا زالوا يعتقدون بأن الإمام المنتظر سوف يقيم دولة ثيوقراطية (دينية), وأنه سوف يقطع رؤوس الناس والكثير من العلماء والمؤمنين وغير المؤمين أيضا؟!,لكن الواقع العقدي,أن الإمام المنتظر والمخلص رحمة وليس نقمة,وأنه سوف يأخذ للمظلوم حقه من الظالم فهو سوف يقيم العدل والقسط,ومن شروط العدل والقسط هو عدم إجبار أحد على الدخول عنوة إلى الدين أو تبديل عقيدته,فهو مخلص,أما اليوم فنحن نستمع إلى الخطباء السذج يستهدفون الناس البسطاء ويعطوهم الأمل,بأن الظهور قد يكون خلال أشهر أو سنوات قليلة,ولا نعلم هل هذه السنوات هي أرضية أم من واقع أخر ماوراء أرضي؟!,في الواقع أن الهدف بحسب هؤلاء السذج هو تهيئة الناس للظهور المبارك للإمام المنتظر بحسب زعمهم,ولكن هل سأل هؤلاء  المعتاشون على امتصاص دماء البسطاء أنفسهم,كيف وبحسب العقيدة التي يؤمنون بها,كيف إذا  لم يظهر الآن لحكمة نجهلها فما هي العواقب؟وأين يكون هذا الظهوريا ترى؟ في هذه الدنيا أم في عالم الأولى أم في مكان أخر نجهله؟,وهل هو منتظر(بالفتح) أم منتظر(بالكسر),سوف تتزلزل عقيدة الناس ليس فقط بالإمام وإنما بالدين ككل,وسوف تتحقق أسوء كوابيس الناس أمام أعينهم؟!,فبغض النظر عن نوعية الدين الذي يدين به الناس,يبقى الدين العامل الرئيسي لكل المجتمعات,عامل يبعث على الطمائنينة والسلام,فالتمهيد والتحضير لا يكون من خلال تشكيل المليشيات(باعتبارهم جند الإمام المنتظر؟) ولا من خلال قمع الآخرين أو الكذب عليهم وتضليلهم,ولا حتى بالقنبلة النووية (النجادية),بل من خلال بنائهم بناء علميا موضوعيا يكونون معه ممهدون حقيقيون بحسب ما يعتقدون,هذا البناء لا تتكلف أو تتكفل به المؤسسة الدينية أو السياسية المؤمنة بهذه الأطروحة ولا المؤسسة العلمية والتعليمية فحسب,بل هو واجب عقائدي على المؤمنين,وعلى جميع من يتصدى للتمهيد والتحضير للدولة الموعودة,سواء أكانوا أفرادا أو جماعات أو مؤسسات,وعليه ينبغي أن تعاد قراءة المناهج التعليمية والتربوية وبغض النظر عن الجهة التي تتبنى تعليمها وتدريسها,وأن يعاد رسمها والتنظير لها بصورة تكون ذات جدوى عملية وعلمية,في التأسيس لموضوعة الظهور والتأسيس للدولة الموعودة,فما موجود الآن من علوم تدرس في المعاهد والجامعات والحوزات,سواء الإنسانية أو التطبيقية أو التقنية,لا تنهض للإعداد والتحضير للدولة الموعودة,فالناس الآن يفكرون بما بعد عصر التقانة,أي تجاوزوا ولو نظريا البعد البشري,ونحن لا نزال نفكر في عصر ما قبل البشري؟ولا نزال نفكر بعقلية المنطق الأرسطي الصوري,الذي يرتب النتائج وفق مقدمات يفترض ابتداء أنها صحيحة وبديهية,في حين أن الزمن أثبت خطأ الآلاف من البديهيات التي بني عليها هذا العلم أو ذاك,فإذا بقينا مع هذه الأصوات النشاز وهذا التفكير الجامد والذي يسيطر على الساحة الآن, وبدفع الناس إلى هذه الاعتقادات غير الصحيحة,لا يمكن معها أن نأكل الأناناس على القمر,بل لا نستطيع أن نتقدم سنتمترا واحدا عن مكان وقوفنا الحالي.هذا كله بناء على العقيدة المهدوية التي يروج لها السذج من المعممين والخطباء,أما نقاش الأطروحة ومدى مضامين قوتها فله مكان وزمان أخر.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبد المحسن البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/27



كتابة تعليق لموضوع : أكل الأناناس على القمر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net