تنازل الامام الحسن (ع) عن السلطة والضغوط الايرانية لترشيح المالكي
سعيد العذاري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سعيد العذاري

صرح السيد اياد علاوي :ان امريكا تريد رئيس وزراء ترضاه ايران وهذا ماصرحت به قبل علاوي باربع سنين ، وتوقعت ان الانتخابات ستؤدي الى اختيار قوائم طائفية وخصوصا بعد الحشد الطائفي من خطباء السعودية ضد الشيعة وردود الافعال وبعد مسرحية اجتثاث البعث وستتولد ثلاث قوائم متقاربة في الاصوات وسيتأخر تشكيل الحكومة اكثر من اربعة اشهر
كان لتصريحات علاوي صدى واسع وليس لتصريحاتي اي ذكر حتى من اصدقائي
وفي الاسابيع الاخيرة واجه الائتلاف الوطني ضغوطا من المرشد الديني للحكومة الايرانية وخصوصا على المجلس الاعلى والتماسا منه ومن السيد كاظم الحائري للسيد مقتدى الصدر لقبول المالكي
والضغط الايراني باتجاه المالكي ليس حبا به وانما تفضيله على علاوي ، وقد كان لاتباع ايران قبل الانتخابات دور في تشويه سمعة المالكي وائتلافه ولكن تغير الموقف الان
ولا فرق لدينا بين الجميع لان الفساد هو فساد مؤسسات وليس اشخاص فالمالكي وعلاوي كاشخاص يتمتعون بنزاهة نسبية ولكن الفساد بالمؤسسة الحكومية
والان وبمناسبة مولد الامام الحسن عليه السلام اقول انه تنازل عن السلطة للمصلحة العامة وهو قادر على التمسك بها ان ضحى بالالاف من اصحابه وبالملايين من اموال الخزينة المركزية ولكنه اثر التنازل عن السلطة الشرعية
لنترك الحكومة العراقية التي يبعدنا ذكرها عن ذكر الله تعالى في هذا الشهر المبارك ويخلق في نفوسنا الالم والحزن والحسرات على دماء اربعين عاما ودمار اربعين عاما لم تجن غير حكومة تفضل مصلحة افرادها على مصلحة الدين والوطن والشعب
من نقاط الاشتراك بين المسلمين سنة وشيعة انّ خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) خلافة شرعية لأنه اختير من قبل أهل الحل والعقد وهم خيرة الصحابة والتابعين على راي السنة ومنصب من الله ورسوله على راي الشيعة، وبهذا الاختيار وجبت طاعته على جميع المسلمين وفي جميع الأمصار، وكل من رفض طاعته يعتبر عاصياً شاقاً لوحدة المسلمين، ويجب على المسلمين اعادته للطاعة.
وعلى ضوء ذلك كتب الإمام الحسن عليه السلام كتاباً إلى معاوية يدعوه للطاعة والرجوع إلى الصف الإسلامي، ومما جاء في الكتاب: ((انّما حملني على الكتاب اليك الاعتذار فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وادخل في ما دخل فيه الناس من بيعتي... واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم باكثر مما أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو احق به منك؛ ليطفئ الله النائرة بذلك ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين))( ).
إلاّ ان معاوية لم يستجب للإمام وتمرّد على أوامره ورفض الرجوع إلى الصف الإسلامي وانهاء الفتنة الداخلية، وجعل يتهيأ لقتال الإمام الحسن، فتحرك الإمام نحوه لاعادته للطاعة وللحفاظ على وحدة الكيان والدولة لكي لا تتمزق إلى دولتين: الاولى في العراق والثانية في الشام، ولكنّ الظروف لم تساعد على اخماد التمرد وقد تبدلت لتكون في صالح معاوية أو على الأقل استمرار القتال دون حسم لصالح القضية الإسلامية الكبرى، وقد وجد الإمام الحسن في ايقاف القتال والقبول بالصلح مصلحة عليا للإسلام والمسلمين ووحدة الدولة والأمة الإسلامية فآثر الصلح لأنه المنسجم مع المصلحة العليا والوحدة الإسلامية.
وأهم مصاديق المصلحة العليا:
اولاً: وحدة الدولة والأمة
قال الإمام الحسن : ((الا وانّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبون في الفرقة ألا وانّي ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليّ رأيي))( ).
وفي رواية انّه قال: ((اني والله ما أصبحت محتملاً على أحد من هذه الأمة ضغينة في شرق ولا غرب، ولما تكرهون في الجماعة والالفة والأمن، وصلاح ذات البين خير ما تحبون في الفرقة، والخوف والتباغض والعداوة))( ).
فالقتال وحسب الظروف لم يكن في صالح الدولة التي يقودها الإمام لانّ استمراره سيؤدي إلى اراقة الدماء دون حسم أو تراق ولكنّ المستفيد هو القوة المتمردة التي ستستولي على الدولة دون قيود وشروط، أو يؤدي القتال إلى ضعف القوتين وبالتالي تحرك الدول الكافرة لحسم الموقف لصالحها، أو قيام دولتين ضعيفتين، وفي جميع الاحوال فانّ الأمر يؤدي إلى ضعف الدولة والوجود الإسلامي وكلاهما خسارة فادحة.
ولذا اختار الإمام الصلح المشروط بشروط والمقيّد بقيود لكي تتوحد الأمة والدولة الإسلامية؛ حيث انّ هذه الشروط والقيود تحقق المصلحة الإسلامية العليا ان وجدت لها مجالاً للتطبيق.
ثانياً: حقن الدماء
قال الإمام : ((وقد رأيت انّ حقن الدماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلاّ اصلاحكم وبقاءكم))( ).
وقال أيضاً: ((انّ معاوية نازعني حقاّ هو لي فتركه لصلاح الأمة وحقن دماءها... ورأيت انّ حقن الدماء خير من سفكها، واردت صلاحكم وان يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر))( ).
وقد كانت شروط الصلح مصداقاً من مصاديق المصلحة الإسلامية العليا حيث جاء فيها ((انّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم، وعلى انّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم))( ).
والصلح مقدمة للحفاظ على الصفوة الخيرة من المصلحين والمغيّرين وعلى الحفاظ على حياة الداعين إلى الدين والرسالة، وهذا هو الظاهر من كلام الإمام حيث يقول: ((انّي خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض، فأردت ان يكون للدين ناعي))( ).
وقال لحجر بن عدي : ((ليس كل الناس يحبّ ماتحبّ ولا رأيه كرأيك وما فعلت إلا ابقاءً عليك))( ).
ومن يتابع الأحداث يجد انّ اوضاع المسلمين الداخلية قد هدأت وانّ المسلمين قد كانوا أحراراً مدة عشر سنين، وقد كان معاوية يستجيب لمطالب الإمام الحسن في الاعفو عن هذا الشخص أو ذاك، وهو الظاهر من الوقائع التاريخية، ومن هذه الوقائع انّ سعيد بن سرح استجار بالإمام الحسن من زياد فوثب زياد على اخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله ونقض داره، فكتب الإمام إلى زياد كتاباّ جاء فيه: ((فان اتاك كتابي هذا فابني له داره واردد عليه عياله وماله وشفعني فيه فقد اجرته)).
إلاّ انّ زياد لم يستجب للإمام وكتب إليه كتاباً أساء فيه إلى الإمام ، فلما وصل الكتاب إليه بعثه إلى معاوية، فكتب معاوية إلى زياد كتاباً جاء فيه:
((إذا ورد عليك كتابي فخلّ ما في يديك لسعيد بن أبي سرح، وابني له داره، واردد عليه ماله، ولا تعرض له، فقد كتبت إلى الحسن أن يخيّره ان شاء أقام عنده وان شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه لا بيد ولا لسان))( ).
وقد استثمر الإمام الصلح ليعارض معاوية سلمياً بكشف حقيقته أمام المسلمين، ومن ذلك خطابه لمعاوية أمام جمهور من المسلمين: ((ويلك يا معاوية انّما الخليفة من سار بسيرة رسول الله وعمل بطاعة الله، ولعمري إنّا لأعلام الهدى ومنار التقى، ولكنّك يا معاوية ممّن أبار السنن وأحيا البدع، واتخذّ عباد الله خولاً ودين الله لعباً، فكان قد أخمل ما أنت فيه، فعشت يسيراً وبقيت عليك تبعاته))( ).
ولم يتجرأ معاوية على قتل أحد من شيعة الإمام إلاّ بعد رحيل الإمام إلى الملأ الأعلى، أما في حياته فلم يتجرأ على سجن أو قتل أحد من المعارضين وخصوصاً شيعة الإمام ، ولهذا قال عبدالله بن عباس: ((أول ذلّ دخل على العرب موت الحسن))( ).
ورفض الإمام الاستجابة لطلب معاوية في قتال الخوارج موضحاً سياسته في التعامل مع الوجودات الإسلامية المخالفة له، ومبيّناً المصلحة وراء صلحه، ومما قاله: ((لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فانّي تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها))( ).
وفي رواية اخرى: ((والله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين، وما أحسب ذلك يسعني، فكيف أن اقاتل قوماً أنت أولى بالقتال منهم))( ).
وفي جميع الأحوال والظروف فانّ الصلح قد تم على شروط وضعت على أساس خدمة الإسلام وأهدافه العليا الآنية والبعيدة، وخصوصاً إذا تحولت إلى واقع ملموس وطبقت من قبل الحاكم واجهزته، وتم الوفاء بها، ومن شروط الإمام الحسن عليه السلام:
1- أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنّة رسول الله.
2- ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً.
3- الناس آمنون حيث كانوا في العراق والشام والحجاز وتهامة.
4- أمان شيعة وأصحاب علي على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.
5- أن لا يبغي للحسن ولا لأحد من أهل بيته غائلة سرّاً وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في افق من الآفاق.
6- أن تكون الخلافة للإمام الحسن من بعده.
7- أن لا يسميه أمير المؤمنين.
8- أن لا يقيم عنده شهادة.
9- أن يضمن نفقة أولاد الشهداء من أصحاب الإمام علي.
10- ترك سب الإمام علي والعدول عن القنوت عليه في الصلاة.
11- أن لايتعرض لشيعته بسوء، ويوصل إلى كل ذي حقّ حقّه( ).
وقد وعد معاوية الإمام بوعود نذكر منها:
1- لك الأمر من بعدي.
2- لك ألا نستولي عليك بالاساءة.
3- لا نقضي دونك الأمور.
4- لا نعصيك في أمر اردت به طاعة الله( ).
سعيد العذاري
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat