صفحة الكاتب : مهند الساعدي

العبودية الطوعية للفرد والتبعية الطوعية للدول 
مهند الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بعض الكتب لا تشيخ ولا تموت ، وبعضها يموت مع من كتبه او أمر بكتابته، والأعمال بالنيات .

كتب ( لا بويسي)  الكتاب او المقالة المطولة عن العبودية الطوعية عام 1548م أو 1549م، و كانت فرنسا تمر بأزمة خانقة تميزت بالظلم والاستبداد. لكنني كلما  قراته شعرت بطراوته مادمت أتلمس بعض مظاهر العبودية من حولي. 

ولا يختلف مضمون هذا الكتاب، عن ما روي في في التاريخ الاسلامي في بدء مرحلة الخروج من عصر العبودية القسرية الذي تزامن مع مجئ الاسلام . 

في زمن قال فيه الامام علي بن ابي طالب (ع): لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً . 

وقال فيه الخليفة عمر بن الخطاب في محاولة لإيقاف نزق واستهتار الوالي على مصر عمرو بن العاص : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً !

وقد سبق ان علقت على الفرق بين المقالتين : لان المقالة الثانية يمكن ان يجيب عنها عمرو بن العاص او هرقل او كسرى او السلطان سليم ياوز بقولهم : هم رضوا بذلك، او نحن من اسرهم واستعبدهم، او نحن من اشتراهم بحلال او حرام ماله !

اما الاولى فلا تنتظر جواباً، لكنها تتتجه الى ضمير ووعي الانسان، وتعتبر ان العبودية القسرية والطوعية هي من صنع ارادته ووعيه الاجتماعية وقدرته على تجاوز  واقعه القائم، وتغيير قواعده الساكنة .

لكن تبعية الدولة لا تختلف كثيرا عن عبودية الفرد !! 

لماذا تختار بعض الدول ان تكون تابعة لأخرى ! 

فمع ان القانون الدولي شرع توصيفات قانونية لاستقلال الدول، وحدودها، وسيادتها، في البر والبحر والأجواء، وفرض قوانين ملزمة لتقاسم الأنهار والشواطئ والممرات المائية، ووضع قواعد للأعراف والتقاليد الدبلوماسية والمعاهدات. 

لكن ذلك لم يزرع الثقة الكاملة بالنفس عند الكثير من الدولة التي تصر على انتهاج ( التبعية الطوعية ) 

ثلاثة اسباب هي الملمح الأشد وضوحاً من اسباب تبعية الدول :

الاول هو الفقر والتخلف الاقتصادي الذي يجعل بعض الدولة تابعة للدول المانحة .

والثاني هو الضعف العسكري والأمني الذي يضطر بعض هذه الدول الى الاعتماد على الامن المستعار والتبعية للدول القوية .

والثالث هو الايديلوجيا والعقيدة السياسية او السردية الأيديولوجية التي تجعل من بعض الدول مركزاً وبعضها دائراً في فلك هذه السردية .

وهذه النوع الثالث يمتلك التبرير الاقوى لان النوعيين الاوليين تبريرهما ذرائعي نفعي، انا الثالث فأيديولوجي وهو بطبيعته ارسخ وأصعب اقتلاعاً وأطول عمراً . 

والدولة التابعة ضعيفة حتى لو كان عمرها الحضاري ستة إلاف سنة، والدولة المستقلة قوية حتى لو كان عمرها عمر دولة جنوب السودان 

واحدة من اكبر مهمات الدولة المهابة هي ان تعمد الى تمزيق سرديات التبعية الكبرى، مهما كان حجم القداسة الزائفة التي أسبغت عليها . فان كل وعي بفهوم الدولة يبقى قاصراً ما لم يمتد الى استيعاب حقيقية الاستقلال والسيادة الكاملة .

الدول مثل هذين الرجلين : 

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )

عندما صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان شعرت المملكة العربية السعودية بالحرج الشديد فاصدر الملك عبد العزيز  قراراً بتحرير الارقاء وإلغاء الرق نهائياً .

اعجب هذا القرار الكثير من المثقفين المتحررين، ولبى طموحات المجتمع الدولي آنذاك .

لكن بعض ( العبيد ) لم يعجبهم هذا القرار وتثاقلوا من اعباء الحياة التي كان يديرها الأسياد نيابة عنهم ولَم يكن ثمنها سوى العبودية التي تعودوا عليها الى درجة عدم الشعور بها ! 

من مأثورنا الشعبي : ان عبداً ربط حبلاً بين نخلتين بالقرب من مضيف الشيخ واخذ يتارجح بينهما في ساعة فراغ من الخدمة وهو عطشان متكاسل ينظر الى ( حِب) الماء القريب ويقول محدثاً نفسه بصوت خفيظ: ليتني احصل على ( طاسة) ماء بارد وعذب من هذا الماء !

يقال ان الشيخ سمعه فعلم ان الكسل بلغ به مبلغه فنادى عليه بصوت آمر : ناولني طاسة ماء . 

فقام العبد مسرعاً وفِي لحظة واحدة وقف بين يدي سيده يسقيه الماء فقال له السيد وهو يبتسم : اشربها انت انا لست عطشاناً ! 

فذهل العبد وعلم ان سيده سمع حواره الكسول مع نفسه فكرع الماء حتى اخر قطرة وهو يردد ( رحم الله والديك يا محفوظ ) والشيخ يضحك ...

يضحك من كسل العبيد، ومن عبوديتهم، ومن هوانهم، ومن عدم قدرتهم على وعي ما هم فيه .

ونصحك نحن او نبكي حين نرى واقع الدولة التابعة 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهند الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/28



كتابة تعليق لموضوع : العبودية الطوعية للفرد والتبعية الطوعية للدول 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net