صفحة الكاتب : مهند الساعدي

أيها العراقي : إذا صِرتَ وزيراً فاعلم
مهند الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 انها امانة الله ، ورسوله ، والمؤمنين ، وامانة الشعب عامة ، من انتخبك وانتخب حزبك ،  ومن لم ينتخبك ، ولم ينتخب حزبك . وأنك على كلِ حال مامورٌ باداء هذه الإمانة الى اهلها ، وان تقيم العدل الذي هو أساس الحكم ، والسبب المتصل لدوامه .

 ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .

إنَّ تحمّل الامانة ، يحتاج الى طاقة عظيمة ، دونها القدرة على حمل الحديد ، وحمل الصخور ، ذلك أن الثقل في الماديات ، ينوء به البدن ، وتخور أمامه القِوى . والثقل في المعنويات تنوء به الروح ، ويحتار فيه الضمير . وان الكسل والفشل ، في تحمل الثقل المادي ، يختزي به الجسد ، ويبان ضعفه ، وهزاله .  لكن الانهيار في تحمل المسؤولية ، والضعف عن أداء الامانة ، انما تختزي به الروح ، وينفضح فيه الضمير ، ويبان ضعف الايمان ، ومرض القلب .

فهذه أمةٌ من الناس ، جائت بك من بيتك الذي وسعك بالأمس ، على ضيقة وبِلاه  ، ليس عليك الا اسمالك ، واطمارك ، وانت لا تملك الا ثقتهم ، وراتبك الشهري .

 ثم انهم ولوك خزائنهم ، وأعطوك مفاتيح إحرازهم ، وجعلوك حارساً ، وقيماً ، وقائماً على ثروات باطن الارض ، وظاهرها ، وزرعها ، ونمائها ، وخراجها ، وضرائب الناس ، (وگمارك ) السلع ، وصفقات التجار . فهي لهم وانت عليها امين ، وهم اهلها ، وانت منهم ، لك مالهم ، وعليك ما عليهم . فلا تمدنَّ على اموالهم عيناً ، فيغويك الشيطان بالطمع والشره ، ولا تمدنَّ عليها يداً ، فيكون دوائهاالقطع . 

واعلم ان عين الله لا تنام ، وانه يعلم السر وأخفى ، وانه هو الرقيب اليوم ، وهو الحسيب غداً ، وانَّ الآمرية له ، وان الشاهديَّه له . وان ( من تتبع الله عثرته فضحه ) ولو في جوف داره ، وفِي محكم فساده ، واحتياله ، وشيطنته ، واختلاسه .

ثم اعلم ان غواية الاقارب ، وطنطة الزوجة ، وشرهة الاولاد ، والتفاف المعارف والاصحاب ، كلهم يريدون منك ان تبيعك دينك ، وأخلاقك ، ومهنيتك ، وأمانتك ، من اجل دنياهم . 

فسيطلبون منك ما يحق لهم وما لا يحق ، ويتخذونك سُلّماً للوصول الى شهواتهم ، ومطامعهم ، وأحلامهم غير المشروعة . 

وهم في كل ذلك يعلمون ، ان الرحم ماسه ، وان ألقلب رقيق ، وان اخلاق الوظيفة في مجتمعهم ، تودي بالوزير ، ان يقدم عادات ، وأعراف ، وتقاليد التشريف ، على واجبات التكليف . 

فتقارن زوجتك حالها مع حال زوجة نظيرك الوزير الفاسد ، ويقارن ابنك سيارته مع سيارةابن  ذلك النظير ، وتقول لك ابنتك ، حبيبة قلبك : اجعل لي مثل ما جعل صاحبك لابنته . 

وكذلك يريد ، وكذلك يقول اخوك ، وابن عمك ، وجارك ،  وصديقك . 

فكيف بك في هذه المحنة العظيمة ؟ وانت الضعيف الذي يحيط بك ابليس ، والدنيا ،  ونفسك ، والهوى ؟ 

هنا تَذَكّر ان عقيل بن ابي طالب قد جاء الى اخيه رئيس الدولة ، ورئيس وزرارئها ، ووزيرها الاعظم ، الخليفة الامام علي بن ابي طالب ( ع ) ،فكان بينهما ما كان .

يقول عليه السلام :

‎والله  لقد رأيت عقيلاً و قد أملق حتى استماحني من بركم 
‎صاعا، و رأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم ، كأنما سودت وجوههم بالعظلم . و عاودني مؤكداً ،و كرر علي القول مردداً ، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني ، و أتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، و كاد أن يحترق من ميسمها
قفلت له :
‎ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، و تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟أتئن من الأذى ! و لا أئن من لظى
ثم ساق عليه السلام هذا الكلام حتى قال :

‎و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته ، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها .  ما لعلي ولنعيم يفنى ، ولذة لا تبقى ، نعوذ بالله من سبات العقل ،و قبح الزلل ، و به نستعين
وكان عليه السلام يقول : 

( والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً،  و اأُجرُ في الأغلال مصفداً ، أحب إلي من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، و غاصبا لشيء من الحطام ، و كيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ، و يطول في الثرى حلولها ) .

فتكون بذلك المواساة لك ، والثبات على يقينك ، والربط على قلبك الذي قد يضعف .

ثم اعلم ايها الوزير :

ان مرؤسيك وموظفيك ، والعاملين في وزارتك ، من الوكيل ، والمفتش ، والمدير ، الى السائق والبواب والفراش ، سيقدمون لك ، في يومك الاول بالوزارة ، قرابين المودة الزائفة ، وفروض الطاعة المدخولة ، ويقلبون لك الامر .

فاحرص ان تكون علاقتك بهم مهنية ، وقربك منهم بحسب مصلحة العمل ، وخدمة الشعب . فلا تقرب اليك المتملقين ، والنمامين ، والمنافقين ، والماكرين الذين عشعشوا في الفساد ، وادمنوا الخيانه . وان شر هولاء من كان قبلك للظالم وزيراً ، او خادم للوزير .

ثم اعلم ان الجهد ، والمثابرة ، والاجتهاد في العمل ، هو بعين الله ، وان الله يبارك لك السهر ، والإعياء ، وقلة الإجازة ، والزيادة في العمل ،  والتاخر بعد الدوام ، والإرهاق ، وقلة التركيز ، فيجعله سبباً لطيب مأكلك وملبسك ، ومشربك،  ورزقك الحلال . ويدفع عنك بهذا الإخلاص ، بغي الظالمين ، وكيد الحاسدين ، ومؤامرات الطامحين لها والمنافسين .

ثم أعلم ايها الوزير : 

انك ان ضعفت ، واقترفت ، وجعلت الله اهون الناظرين اليك ، فان هناك من يراقبك ، ويتجسس عليك ، ويتابع حركاتك وسكناتك ، سواء كان عدو متربص ، ام صديق حريص . وان من ورائك - بعد ذلك - المفتش العام ، والرقابة المالية ، وهيئة النزاهة ، ورئيس الوزراء ، وعشرين صحيفة ، وعشرة فضائيات ، والفيسبوك ، وتوتير ، والوتساب ، وساحة التحرير ، وخطباء الجمعة ، وقراء التعزية ، ورواد المقاهي ، وبائعات الفواكه والخضار الشريفات في الاسواق الشعبية ، والإنتربول الدولي . 

كلهم سوف لا يرحمون ضعفك ، ولا يغفرون لك خيانتك ، ولا يتجاوزون عن خطائك . وسيطالبون يفضحك ، ومحاكمتك ، وسجنك ، وسلخ جلدك ، ولحمك ، وعظمك ، وارجاع ما سرقته من اموالهم ولو وجدوه قد تزوجت به النساء ، وتملكت به العقارات ، وغصت به بنوك سويسرا ، وبلجيكا ، ولكسبورغ . 

ثم اعلم ايها الوزير :

انك اذا أديت الامانة ، واجتنبت الخيانة ، وكنت مثالا ً للنزاهة ، والشرف المهني ، فان الراتب سوف يكفيك ، وان الله سوف يكفيك ، وان راحة الضمير ، والنوم الهانئ سوف تكفيك . 

وفوق ذلك كله ، سترتفع أصوات ناخبيك بعد أربع سنوات ، وربما يرشحك حزبك لرئاسة الوزراء ، او رئاسة الجمهورية ، او يستوزرك مرة اخرى . ومن يدري فقد تكتب في مدحك المقالات ، وتصير مضرباً للأمثال ، ويمدحك الشعراء ، او يصنع لك تمثالاً بعد موتك ، يوضع في باب الوزارة التي حافظتَ على امانتها . 

واعلم ايها الوزير :

ان الله العزيز الحكيم يقول : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) 

واعلم أيها الوزير :

 ان رسوّل الله ( ص ) يقول : ( لا إيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَه )

وقال ( ص ) : ( أداء الأمانة يجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر ) 

واعلم ايها الوزير : 

( ان الامام امير المؤمنين يقول : ( رأس الاسلام الامانة ورأس النفاق الخيانة ) 

واعلم ايها الوزير :

ان بعض الحكماء الأذكياء قال : (  الأمين يغير أفكاره لتتناسب مع الحقيقة، والمخادع يغير الحقيقة لتتلائم مع أفكاره )

ثم اعلم -هداك الله- ايها الوزير ان الشاعر يقول :

يا مالكي أمرِ العبادِ تذكروا 
للهِ نقض الحكم  والإبرام 

فستُسألونَ عن الأمانةِ فأعملوا 
خيراً ليوم تزاحم الأقدام


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهند الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/06



كتابة تعليق لموضوع : أيها العراقي : إذا صِرتَ وزيراً فاعلم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : حسين فرحان ، في 2017/12/07 .

اختيار موفق .. أحسنتم .
لكم مني فائق التقدير .




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net