الشعائرُ الحسينية بين العاطفة والفكر..
منتظر العلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
منتظر العلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بداية لابد أن نعرف بأنّ وصول القضية الحسينية الى ما وصلت إليه، جاء عن طريقين متواكبين لا يتخلف أحدهما عن الآخر، وهما الفكر والعاطفة، فكل واحد منهما يكمل الآخر، ويستمد ديموميته؛ وذلك لأن الفكر الخالي من العاطفة، لا يمكن أن يوصل القضية الى معناها الحقيقي أو بعض معانيها، وكذلك العاطفة بخلوها من الفكر، تصبح جوفاء خالية من المعاني السامية التي تحملها القضية الحسينية.
وكما هو معلوم بأنّ قضية البكاء والجزع أمر وجداني (وأقصد بذلك ان الإنسان عندما يفقد عزيزاً عليه، فانّه لا شعورياً، لا يتمالك نفسه، فينطلق بالبكاء، والبعض يتعداه حتى يصل الأمر بأن يموت بعده..!)، وهذا بالنسبة للانسان العادي ارتباطنا معه ارتباطاً دنيوياً، فكيف بأهل البيت (ع)، وبالخصوص الإمام الحسين (ع) (لما لاقاه هو وأهل بيته وأصحابه).
إذن، جاءت الخصوصية لهذا الجزع؛ لأن المفقود ليس شخصاً عادياً، بل يمثل أحد أركان الاسلام، بل هو عدل القرآن الكريم، وانّ ما بذله في تلك الموقعة، هو لأجل إحياء هذا الدين، وإعلاء كلمة الحق وإبطال الباطل.
ومن المعلوم أيضاً، انّ أي أمة تمجد أعاظمها وتخلّدهم، حتى انّهم يصنعون لهم التماثيل، إشادة بهم وعرفاناً، فكيف وانّ من نعظمهم، هم أولياء الله وأحباؤه، ونحن لم نعظّم شخصاً لشخصه، بل لأنّه يمثل إمتداداً لله عزّ وجل، فهذا التعظيم طاعة لله تعالى أولاً وأخيراً، فاذا فقدنا مثل هكذا شخص، كيف لا نبكي عليه بدل الدموع دماً. ومما جاء في روايات أهل البيت (ع)، نرى بأنّهم يحثّون مواليهم على إحياء ذكراهم، بل كان ذلك يحدث في بيوتهم (ع)، حتى نجد سيد الساجدين (ع) يخلط طعامه بدموعه، حتى عدّ من البكّائين الخمسة، وبقي على هذه الحال الى نهاية عمره الشريف.
ومن يتجرد وينظر الى هذه الشعائر، يجدها تؤدي الى طاعة الله وعبادته؛ لأنّ هدفها هو إبراز الأهداف التي سعى إليها الإمامُ الحسين (ع)، ومعروف ما هي أهدافه (ع). وفي المقابل لابد من إظهار وجه الباطل، الوجه الذي يظهر الاسلام ويضمر الباطل والكفر، فكانت الشعائر مظهرة لهذه الوجوه (وهذا شبيه بما يقوم به الممثلون من العروض التمثيلية، لعرض قضية ما، فهم يصورونها بكل مشاعرهم وأحاسيسهم، فيندمجون بالشخصية الى حد الذوبان، مظهرين الفكر المراد من تلك القضية). لذا نرى بأنّ الفكر يسير جنباً الى جنب مع العاطفة في القضية الحسينية، من غير ترجيح أحدهما على الآخر، فتكون منطلقاً للسير نحو التكامل..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat