نقاش هادئ في أجواء ساخنة /ح2
رائد عبد الحسين السوداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نتناول في هذا القسم من موضوعنا أعلاه جانباً مهما مما يعيشه الجو السياسي في العراق أثّر تأثيراً كبيراً في شلل الحياة في البلد من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،لاسيما في قضية سحب الثقة عن السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء ،وأعني بهذا الجانب أثر ومكانة أعضاء مجلس النواب في الحياة السياسية العراقية .
نجد وعلى الرغم من أن الدستور العراقي يصنف (النظام) السياسي في العراق بأنه برلماني إلا أن الواقع يصرح عكس ذلك ،فالجانب التنفيذي هو الذي سيطر على المشهد ،وإن كل موسم انتخابات يشهد تسابقا نحو مقعد في السلطة التشريعية لا للبقاء فيه بل للعبور به نحو منصب تنفيذي ،ويعود ذلك لعدم وجود تقاليد تحترم النشاط البرلماني ،ولا توجد مراحل منذ عام 2003 تبني هذه التقاليد ،كما إن امتيازات الجانب التنفيذي تفوق بكثير امتيازات الجانب التشريعي ،ومن هذه الامتيازات وأهمها شعور المسؤول التنفيذي بهامش كبير من التحرر من سطوة رئيس الكتلة داخل قبة البرلمان ومن زعيم القائمة أو رئيس الكيان في خارج بناية المجلس . كذلك إن البرلماني ونتيجة ما حدث من نقل لوقائع اجتماعات البرلمان ومن أيام الجمعية الوطنية وإظهار الصورة البائسة للنواب أسهم في اهتزاز صورته أمام الناس ،أما الصورة أو المظهر البائس الآخر والمؤشر على أعضاء البرلمان يتمثل في الزخم الإعلامي والظهور الدائم من على شاشات التلفاز،والصحف ،والمواقع الالكترونية ،والتحدث في كل المواضيع وفي كل الاختصاصات ،نجد مثلا عضو لجنة النزاهة يترك لجنته ويدخل في لجة الأحاديث الصحفية عن علاقة العراق بباقي البلدان المجاورة ،أو عضو اللجنة القانونية يتحدث في أمور الطاقة ،وعضو لجنة الطاقة يتحدث في شؤون الأمن والدفاع ،وعضو اللجنة الثقافية يتحدث في كل ما يخص البلد ،وعضو لجنة شؤون الأعضاء لا يجاريه أحد حتى في العلوم التطبيقية ،صحيح إن النائب من حقه أن يتكلم دون أن تكون عليه أي مساءلة ولكن هذا الأمر مشروط بأن يكون داخل قبة البرلمان ،وأن يكون ضمن اختصاصات لجنته ،إلا في الحالات المفصلية فهذا حديث آخر وبحث ثان يتمثل في أن النواب وبأغلبهم بطبيعة الحال لا يعرفون مآل الأحوال في هذه القضايا المفصلية ولم يطلعهم أحد على مستجدات الوضع ولا يعرفون الصورة الحقيقية للحراك الدائر حول هذه القضية أو تلك لا بل إن بعضهم لا يمتلكون حتى قراءة للحدث وتداعياته .
ولو أخذنا مثلا الأزمة الحاصلة نتيجة المطالبة بسحب الثقة عن السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء ،لوجدنا عدة أنواع من النواب قد برزوا فيها،النوع الأول،أدعوهم بنواب الأزمة ،برز فيه عدد من النساء النائبات ومن كل الكتل تقريبا تحولن إلى مؤججات لها لو صح التعبير ،يدافعن عن مواقف زعماؤهن بكل قوة ويتهمن الآخرين بسيل من التهم لا أول لها و لا آخر ولا سبيل أمام الزعيم المقابل إلا الركوع أمام زعيمها الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ورجليه و لا حتى الخطأ البسيط أو الصغير ،وإن الذين أمامه صغار مراهقون سياسيون لا يفقهون من الأمر شيء ،وخائفون من المواجهة لأنهم متَهمون ومذنبون.والحقيقة تكمن في أن أغلب هؤلاء (نواب ونائبات الأزمة) لا يفقهون ما يقولون .ويُلقنون تلقيناً ما يُراد أن يُقال،فقد ظهر ولعدة مرات إن هذا النوع من النواب يتكلمون عن شيء والحراك السياسي بين المتخاصمين أخذ منحى آخر نحو التقارب أو ردم الفجوة بينهما أو بالعكس من ذلك ،وهؤلاء النواب وظيفتهم هي هذه (التواجد والمرابطة في الفضائيات) . أما النوع الثاني من النواب ،هم الغائبون كلياً بأجسادهم عن المشهد السياسي العراقي داخلياً ،الحاضرون بقوة في خارج العراق والزبائن الدائمين للفضائيات يدافعون عن زعيمهم الأبقى ،والأقوى ،والأفضل في كل الظروف ،والمناسب لكل الحقب والأزمان ،ومن مهامهم الأخرى الاستفادة من أذرعهم (التجارية ) للدخول إلى مراكز القرار في البلد المتواجدين فيه،والبلدان الأخرى،أما المهمة الأخرى ،وهي الأخطر بطبيعة الحال تكمن في مغازلة أعداء الأمس ليتحولوا إلى أبواق للزعيم وإن كانت فيها مخالفة صريحة للدستور والقضاء ،وقد أعلن أحدهم إنه قد التقى بمحمد يونس الأحمد ( مسؤول جناح من جناحي حزب البعث) ولما سؤل هل كلفك أحد بذلك ،أجاب إنه زعيم وقائد و لا ينتظر أن يكلفه أحد في هذا الأمر ،لكن مع هذه المخالفة الدستورية والتي يجب أن تكون لها تداعيات قضائية ،ظل هذا (الزعيم) مقرباً وداعية للزعيم الأبقى،كما إنه ساهم في محاولة التقرب بين زعيمه وبين أحد أكبر المتهمين بسرقة المال العام ،والمروج للإرهاب حسب التهم الموجهة إليه من خلال فضائيته التي كان يمتلكها وأعني به السيد (مشعان الجبوري) ،كما إنه أعلن عن استعداده للقاء الشيخ (حارث الضاري) الرافض للعملية السياسية برمتها من 2003 إلى يومنا هذا حزيران 2012،والمتهم بتبني جماعات مسلحة إن اقتضت الضرورة في معرض نفيه عن أخبار عن لقاء جرى بينه وبين الضاري ،وأيضا ظل مقرباً لوجود مصلحة تساهم في البقاء على المسرح السياسي .
هناك قبلة أو كعبة سياسية خارج العراق أثرت تأثيراً مباشراً على الوضع العراقي دون أن تأخذ حصتها من الاهتمام الإعلامي المنحاز والمحايد على حد سواء ،وأعني بها العاصمة الأردنية (عمان) فقد تحولت إلى مقر شبه دائم لقيادات ونواب العراقية وهي أصلا مقرا دائما لممولها ،وقد عقدت اجتماعات عديدة للقائمة في هذه المدينة وخرجت منها العديد من القرارات السياسية المهمة ،علما إن عمان تضم بين جناحيها العديد من قيادات سلطة البعث ،وفيها أسرة (صدام حسين) ،وإن كل مسؤول من سلطة البعث يُفرج عنه تكون قبلته الأولى وفي اليوم الثاني إن لم يكن الأول من خروجه من السجن ،هي عمان ،لا بل إن نائب الرئيس المتهم بالإرهاب حاليا وفي دورة السيد المالكي الأولى قام بزيارة الفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل وزير دفاع حكومة (صدام حسين ) والمقرب منه ،وإن كانت الزيارة فيها لمسة إنسانية ،لكن من المفروض أن يكون وهو الحامي للدستور أن يأخذ موافقة الحكومة ،لكنه لم يستفسر والحكومة لم تعر للموضوع أهمية مع إنه يحمل من الدلالات الشيء الكثير .
وهناك نوع من النواب وكتلتهم تحولوا إلى قناصي فرص ،فبعد أن رفضوا أن يشكل السيد المالكي الحكومة للمرة الثانية ،وجدوا في الاستقطاب الطائفي،وإبراز التيار الصدري بأنه اصطف مع أعداء التشيع وإنه شق الصف الشيعي بتبنيه طروحات سحب الثقة عن السيد المالكي ،فقد قرأت هذه الكتلة نبض الشارع الشيعي جيداً والمتأثر بالضخ الإعلامي الموجه بهذا الاتجاه ،وأعلنوا رفضهم لفكرة سحب الثقة وعملوا على مسك العصا من الوسط وتحولوا إلى مقربين ووسطاء بين الفرقاء المتخاصمين على الرغم من أن إعلامهم لم يتوقف عن الهجوم على حكومة السيد المالكي لحظة واحدة ،فأرادوا العودة إلى الشارع الشيعي من خلال هذا الموقف .
وهناك نوع من النواب وهم الأغلبية وبطبيعة الحال يمثلون الأغلبية في البرلمان ،وهذا النوع الأخطر حسب اعتقادي وذلك عائد لسلبيتهم وعدم إبداء أي رأي هذا إذا كانوا يمتلكونه ،فهم لا يعرفون ماذا يدور ،ولا يرغبون في معرفة ماذا يدور ،ولا يُسمح لهم أن يعرفوا ماذا يدور ،يرفعون أيديهم مثل آلة صماء وحسب إشارة رئيس الكتلة ،يؤمرون باتخاذ موقف مفصلي من خلال رسالة نصية قصيرة دون معرفة رأي النائب أو الاستئناس بفكره ،أو حمله على تكوين رأيا له في أمر مصيري ما ،بل عليه أن يأخذ الأمر بطاعة مطلقة دون نقاش ،وهذا النوع من النواب يتواجدون في أكثر الكتل ولا تخص كتلة أو قائمة معينة ،وخطورة أمثال هؤلاء النواب تكمن في إنهم أسسوا وأرسوا دكتاتوريات رؤساء الكتل وزعماءها الذين يشعرونهم دوما بأنهم إنما أصحاب فضل عليهم بإدخالهم في قوائمهم وجعلهم نوابا يتمتعون بامتيازات خاصة .هذه صورة مقربة وظاهرية للحياة البرلمانية في العراق .وللحديث بقية .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
رائد عبد الحسين السوداني

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat