النية ودورها في الاعمال
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

النية هي الغاية وعند علماء الكلام هو العمل الذي استقر في القلب ولا تجد حركة ولا تنفيذ أي عمل الا اذا سبقته نية ولو للحظات .. فيستقر العمل في القلب وتنفذه الجهات المكلفة بالتنفيذ سواء اللسان او اليدين او البطن او غيرها. اذن النية هي عصارة العقل وما يريده الانسان ان يقوم به.
لذا جعل الله تعالى الحساب والثواب على الانسان من خلال نيته لان النية تحديدا عمل كامل نبع من القلب وسرى الى اجزاء البدن .. ثم ان النية امر داخلي في نفس الانسان وهو قرار بعيد من كل ضغط واكراه بعيدة عن التورية والتقية بحيث يكون مجموع العمل مرتكز في القلب راضياً به وعازماً على تنفيذه.ولكن تنفيذه حين خروجه من القلب الى اليد او اللسان تدخل فيه التورية {كالتقية والمجاملات وتقبيل من تكرهه, ومدح من لا يستحق المدح} هنا النية حين تخرج من نطاق القلب للتنفيذ يمكن ان تتحول الى نفاق ومجاملة وكذب.
اذن حقيقة الانسان ومعدنه يتحقق من خلال نيته . فالنية توصلنا الى الله برضا الاعمال منه او بالعكس نكتب عند الله منافقين كذابين . فالإنسان الطيب تعرفه نفسه قبل غيره ,جاء شاعر{مهوال} الى الامام علي{ع} وقال : يا امير المؤمنين اريد ان امدحك.. فقال له الامام لا تمدحني . فانا اعرف منك بنفسي..!! والله يعرفني اكثر مما اعرف انا بنفسي.. ولذا يعتبر الدين ان النية هي افراز ما في قلب وعقل الانسان ،فتوصله النية ان يكون قريباً من الله والناس ومحل ثقتهم وتقديرهم .او بالعكس يعمل عملا صالحا كما يراه الناس وعند الله غير مقبول لان عنوان العمل يختلف عن النية ..في الحديث: "ان العبد اذا أظهر العمل بجوارحه، فاستوت سريرته وعلانيته، قال الله: هذا عبدي حقاً". أما من يختفي وراء الظواهر فهو شيطان، مهمته التضليل والاحتيال، والغدر والنفاق . فلا أثر للعمل بلا نية من حيث العقوبة والمثوبة، لأن الحساب والجزاء يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالإنسان من خلال النية.
وبين الشرع الاسلامي (انما الأعمال بالنيات، ولا عمل بلا نية.. لن يُدخل أحداً عمله الجنة)إلا مع النية الخالصة لوجه الله تماماً كالإيمان .. ولكن النية لا تكفي في بعض المواطن الا بالعمل .. مثلا : حين يتنجس الانسان من جنابة او دم او حيض او نفاس وغيره. فان هذه النجاسات لا ترتفع بالنية دون عمل الجوارح في اسباب ازالتها .والنية تكون احيانا مركوزة في القلب او منطوقة. فحين تدخل الحمال لتطهر نفسك من الجنابة هذه نية مركوزة وكذلك حين تزيل بقعة دم من جسمك او ثوبك. فتصح صلاتك وطهارتك .. ولكن عند الاحناف أن النية ليست شرطا في صحة الوضوء وغسل الجنابة. .. احيانا تتولد لدينا نية ولكن لا نقوم بتنفيذها ,او هناك ظروف اجتماعية تمنعنا من القيام بها. ولكنها موجودة في نفوسنا.
يقول تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾ إذا نظرنا إلى النية من حيث علاقتها بصاحبها، فهي لها شأن كبير حيث ترسم صورة صاحبها ووزن ايمانه كله في نيته .. وان ظلت في نفسه ، لأن نية الخير تنبئ عن طيب القلب وشرف النفس وكمال الذات، ونية السوء والشر تدل على خبث السريرة ومرض في القلب ونقص في الذات والصفات.
فوق ذلك رفع الإسلام نية الخير بلا عمل إلى العمل القائم على نية الخير، فقد جاء في سفينة البحار: "من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم شاركهم فيه" وعن النبي{ص} قال لأصحابه الذين جاهدوا معه: "ان بالمدينة قوماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم.. حبسهم العذر". وعنه{ص}"إن الفقراء الذين يغبطون المتصدقين سوف ينالون نفس الثواب عند الله". فمن في نيته يقول صدقا يا ليتنا كنا معكم, سينال ثوابا لا يمكن تصوره.. ولكم فائق الاحترام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat