حقائق عن واقع ( مشكلة ) البطالة في العراق !!
باسل عباس خضير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باسل عباس خضير

السؤال الذي يتبادر للذهن هل توجد فعلا بطالة في العراق وما هو حجم او نسبة العاطلين ؟ ، وهذا السؤال من حق أي مواطن أن يطلع على ما يتضمنه الجواب ، وبغياب الإجابات والإجراءات من قبل أصحاب الشأن بالموضوع ، فإن ( مشكلة ) البطالة رغم ما تحتله من أهمية كونها تعني الهدر بالطاقات البشرية في البلاد ، فلحد اليوم لم توصف بشكل دقيق ولم تتم مقارنتها ببعض المؤشرات ومنها نسبة البطالة للعاملين او للسكان او بمقارنتها مع المعايير الدولية بهذا الخصوص ، وقبل هذا وذاك لابد من التعرف على البطالة كمصطلح دارج في الاستخدام العالمي ، فالبطالة بمعناها الصحيح ، تحدد عندما يكون الإنسان ( الفرد ) قادرا وراغبا للقيام بالعمل ولكنه لم يجد فرصة مناسبة بالفعل رغم ما يبذله من جهود وطاقات بهذا الخصوص ، والقدرة تعني ملائمة قابليات الفرد العقلية والبدنية والمهارية مع ما يمكن أن تتوفر من أعمال ، والرغبة ترتبط بحماسة الفرد للعمل وتتطلب قدرا من التضحيات وأحيانا بعض ( التنازل ) المعقول بما يؤدي إلى تحويل القدرات لواقع ملموس ، فالبعض يرفض العمل بمجالات يعتقد بانها ثانوية او هامشية ، متناسين إن البطالة قد تنال الكرامة أكثر من الكبرياء ، و يتذكر البعض ممن درسوا في الخارج من دون تمويل ماذا عملوا لكي يوفروا مصاريف الدراسة والمعيشة رغم إنهم كانوا يدرسون في الدراسات العليا او في فروع وتخصصات دقيقة ، فرغبتهم الممزوجة بالتضحية هي التي قادتهم لولوج الممكن والمستطاع وليس الوقوف على الأطلال ، ومن لا يريد أن يكون عاطلا عليه البحث عن فرص العمل فهي لا تبقى شاغرة إلى الأبد ، واغلب أصحاب الأعمال يقدمون ما يريدون من العروض والشروط لإشغال الأعمال لأنها تمثل كلفة بالنسبة لهم فهم من الباحثين عن الأرباح لذا فأنهم يسندون العمل لمن لا يزايد على الموجود إلا تحت الاضطرار الشديد ، ومن ذلك نستنتج إن البطالة لا تشمل من يهدرون الفرص و يريدون الأعمال بمزاجهم فحسب .
وتتصف البطالة في العراق بأن معالمها مشوهة وبشكل لا يمكن من خلالها إحصاء الفرص المتاحة والمشغولة ، فهناك الكثير من الأعمال كان من الممكن إشغالها من قبل الذين ليس لديهم عمل ولكنها تشغل ممن لا يجب أن يعملوا بها ، ونخص بالتحديد أولئك الذين يمارسون أكثر من عمل واحد ويستحوذون على فرص الأفراد ، فالموظفون رغم أنهم ممنوعون من مزاولة العمل بعد انتهاء الدوام الرسمي إلا أنهم يزاولون أعمالا إلى جانب أعمالهم الرسمية خلال الدوام الرسمي وبعد انتهاء أوقات الدوام ، واغلب ما يزاولوه هي حرف ومهن تدر عليهم مدخولات ربما أكثر من رواتبهم الشهرية ولا عجب أن تجد بعضا من هؤلاء يضحي بجزء من راتبه لكي يتهرب عن الدوام من خلال رشوة من يوفر لهم التسهيل ، والبعض يعتقد انه الرابح رغم ما يدفعه لان له راتب وتحتسب له خدمة وظيفية يمكن استخدامها للتقاعد كما إنهم يعدون الوظيفة ضامنة لهم أكثر من العمل الخاص ، كما إن هناك من يعمل بأكثر من وجبة او في فترتي الصباح والمساء بمرتبات او بساعات عمل إضافي ، ولدينا كثير من الأمثلة بهذا الخصوص فلا عجب أن نجد البعض من الموظفين ( المدني و العسكري ) يعملون بمختلف الأعمال رغم ما يمتلكونه من مرتبات ، كما يعمل المعلم والجامعي والطبيب وغيرهم إثناء او بعد أوقات العمل الرسمي في عمل حكومي او أهلي ، والشكل الأخر من الاستحواذ على فرص العمل هو قيام بعض المتقاعدين بمزاولة الأعمال بعد الاحالة التقاعد لأسباب عديدة ، الأول هو سن الاحالة المبكر للإحالة إلى التقاعد ( حاليا 45 – 60 سنة ) ، والثاني هو الفرق الكبير بين الراتب الوظيفي والتقاعدي ، والسبب الأخر إشغال الفراغ بعد التقاعد حيث يخلو البلد من خدمات الرعاية بهذا الخصوص ، وهناك نوع آخر من الاستحواذ على الفرص المحلية بسبب حرية انتقال العمال بين المحافظات والنزوح الكبير للمدن الكبرى مثل بغداد لتولي الأعمال بأدنى الأجور ، وهؤلاء الأسرع في إشغال العديد من فرص العمل لكونهم لا يجرون المعقد من المقارنات ، وتلعب العمالة الوافدة من الخارج دورا في الاستحواذ على فرص العمل إذ تتميز بحاجتها الكبيرة للعمل أينما يكون و بأبسط الشروط ، وقد شكل توافدهم الرسمي وغير الرسمي ظاهرة يصعب معالجتها رغم خطورتها من كل النواحي ، والصعوبة تنشا من اختلاط موضوع تواجدهم بالفساد وسيطرة بعض الجماعات على الدخول والرقابة وغيرها من التفاصيل المعروفة للجميع .
وعودة إلى البداية ، فرغم إننا لا نمتلك إحصاءات دقيقة عن عدد العاطلين عن العمل ( حتى بعد التعداد السكاني الأخير ) ، إلا إننا نتوقع بان الكثير من فرص العمل التي يشغلها او يستحوذ عليها ممن لديهم أعمال بالفعل والوافدين ( من الداخل والخارج ) كان بالإمكان أن تشغل من قبل مستحقيها الأقرب في المكان والتوقيت وبما يساعد في تقليل البطالة بشكل كبير ، ويمكن القول إن هناك عطالة أكثر من كونها بطالة كونها تعود للأفراد أنفسهم ، فاغلبها تتعلق بعدم القدرة على التكييف الصحيح للرغبات والقدرات بما ينسجم مع واقع الأعمال ، فهناك من لا تبعد عنهم فرص الأعمال المهدورة خطوات او أميال لكنهم يشكون البطالة ويعبرون عن استيائهم منها بكل ما يستطيعونه من إشكال ، وهذا يغاير صورة العراقي الباحث عن عمل خارج العراق حين يقبل بكل ما يفرض عليه من متطلبات ، وليس الهدف رمي اللوم على العاطلين في كل الأسباب والنتائج ولكن ما نخشاه استفحال الأمر وبعضه قابل للحلول ، و الفرد ( العاطل ) مطالب بان يتشبث بفرصة عمل ( معقولة ) بدلا إن يحسب نفسه في عداد البطالة ، فالوزارات والدوائر تشكوا الترهل والتضخم بنفقات الأفراد والتوجهات الاقتصادية لا تشير إلى أمل قريب في تفعيل قطاعات الأعمال والحكومة تعلنها جهرا أنها غير قادرة على التوظيف وتغطية نفقات الموظفين ، والمؤكد حاليا إن البطالة ستزداد في ظل تضخم عدد السكان وزيادة خريجو المدارس والجامعات ومعالجتها تتعقد وتحتاج لإرادة تتفوق على الموجود ، بمعنى إن الخيارات باتت محدودة وتضيق والعمر يمضي ولا يعود لذا فان اقتناص الفرص أفضل من الحسرة على المفقود ، ولا يعني ذلك الهدر بكرامة الإنسان او المبالغة في العمل خارج القدرات ، وإنما القصد هو خلق فرص للعمل بمشاريع فردية او جماعية او اقتناص الموجود وعدم التعويل على التعيين والمكرمات لا في العام ولا المختلط ولا الخاص فجميعها تمر بنفس الداء وتشكو المعالجة وضعف الدواء .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat