عصيّ على الموت: ( المعلّم غطّاس)
فوزي ناصر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فوزي ناصر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يبدو الكلام قليلاً وتظهر المعاني صغيرةً في حضرة عملاق تذكُره أجيال
عديدة باعتزاز، تتحدّث عنه بفخر وترفع رايته بشجاعة ، لم يكن أستاذنا
الجليل الذي كان اسمه ( المعلم غطّاس )معلّماً عاديّاً ، يمر أجيال من
تحت يديه ، تغيب وتتلوها أجيال ، تنساه وينساها ، بل كان معلماً متميزاً
لا يمرّ من تحت يده طالب دون أن يصقله بشخصيته الفذّة وصوته الصّافي
ودرايته الواعية ومعرفته الواسعة وتحليله الجاد وانتمائه الأصيل .
كان علماً فخر الناس بأنهم تتلمذوا على يديه ، وكانت وقفته في الصف
موافقة لموقفه ، وقفة رجل يحمل رسالة ، يؤدّيها بإخلاص لأنه يعتبر الطالب
ولداً له والمدرسة بيته أو استمراراً له.
كان أستاذنا مهتمّاً بكل الأمور في الصف صغارها وكبارها على السواء ،
لم يهتم بالعلم فقط والدقة فقط والبحث عن الحقيقة فقط بل اهتم أيضاً
بالمقدار ذاته بالنظام والأخلاق والسلوك الحسن .
عُرف عنه أنه دقيق وموسوعي ، ومما أذكره أن خالفه تلميذ في تاريخ معيّن
فما كان منه إلا أن أشار إلى المصدر الذي اعتمد عليه صاحبنا التلميذ ،
ووعد أن يفحص ، وفي اليوم التالي جاء معلمنا بنحو عشرة مصادر أشارت إلى
التاريخ الذي ذكره بينما لم يذكر التاريخ الآخر سوى مصدر يتيم .
الحديث عن المعلّم غطاس لا ينتهي كما كانت معرفته وذاكرته التي صقلتها
المطالعة وعشق الكتاب .
على مدار نحو نصف قرن وهو يعلّم ويربي ويثقّف دون أن يملّ أو يكلّ ، ثم
تقاعد عن التدريس ولم يتقاعد عن الدّراسة ، وظل مرجعا لطالبي المعرفة من
أبناء شعبنا ، ليعطي بحب إلى أن غادر الدنيا بحب ، لكن من كان عاشقاً
للعطاء والحياة لا يموت بل يظل في ذاكرة الأيّام وعلى ألسنة الناس وفي
أذهانهم حيّاً عصيّاً على الموت !
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat