مسعود البارزاني شروط مسبقة مع بالون سياسي
علي جابر الفتلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي جابر الفتلاوي

أطلق مسعود البارزاني سلسلة من الشروط المسبقة يجب الإستجابة لها ، كي يشترك في الحكومة الجديدة ، مع تفجير بالون سياسي بوجه المكلف بتشكيل الحكومة السيد حيدر العبادي !
يسيرالبارزاني على قاعدة كردستان لنا لا أحد من العراقيين يشاركنا فيها ، لكنه شريك في كل شيء في العراق خارج حدود كردستان ، شريك في نفطه وميزانيته وبالنسبة التي هو يحددها ، وشريك في حكومة بغداد المركزية وقراراتها ، لكن ممنوع على الحكومة المركزية أن تتدخل في تصرفات حكومة كردستان ، فهي تبيع النفط بالكميات والأسعار التي تريد وممنوع السؤال عن هذه الإيرادات ، وتبيع النفط بدون موافقة الحكومة المركزية لمن تريد حتى لإسرائيل وممنوع الكلام ، تستورد أسلحة وممنوع الأعتراض ، تقيم علاقات مع أي دولة حتى لو مع إسرائيل ، ولا يحق للحكومة المركزية الإعتراض ، تأوي المجرمين والإرهابيين والمطلوبين للقضاء وممنوع الكلام ، تتقدم قوات البيشمركة لاحتلال كركوك مستغلة فوضى احتلال الموصل من قبل داعش وممنوع الكلام ، و.. و .. الخ فالقائمة طويلة .
اليوم بعد تكليف الدكتور حيدر العبادي لتشكيل حكومة جديدة أطلق السيد البارزاني سيلا من الشروط المسبقة ، مع إطلاق بالون سياسي من بالوناته الكثيرة التي يطلقها بين الفينة والأخرى ، وهذه المرة فجربالونه بوجه السيد حيدر العبادي المكلف بتشكيل الحكومة ، من أجل الضغط ليوافق على الشروط المسبقة التي بعضها من صلاحيات البرلمان ، والأخرى تحتاج إلى دراسة من قبل لجان مشتركة مختصة وبعض الشروط تكاد تكون خارج الدستور والقانون ، وبما أن المشروع الأمريكي الصهيوني يهدف لتقسيم العراق ، والبرزاني لا يعترض بل يتنبى مشروع التقسيم من خلال مطالبته بتأسيس دولة كردية منفصلة عن العراق ، وتأييده للنجيفي ومجموعته السياسية لإنشاء إقليم سني في غرب العراق ، لهذا لا نرى اعتراضا على شروطه من السياسيين الآخرين حتى لوكانت شروطه متقاطعة مع الدستور أولا تحترم سيادة العراق ، بل يؤيده السياسيون الطائفيون الذين يطمحون تأسيس إقليم أو دويلة في غرب العراق ، تكون قاعدة لانطلاق الإرهاب بدعم من دول محورالشر التي تقود المشروع الطائفي في المنطقة مثل ( السعودية وقطر والأردن وتركيا ) ودول أخرى تقع ضمن دائرة النفوذ الأمريكي الصهيوني .
آخر بالون أطلقه السيد البارزاني مع شروطه المسبقة له علاقة بترشيح الدكتور حيدر العبادي ، وقوله كان المفروض عدم ترشيح شخص من حزب الدعوة الإسلامية وربما يعني من خارج دولة القانون متجاهلا الإستحقاق الإنتخابي ، أطلق البارزاني بالونه هذا بوجه الدكتورحيدر العبادي من أجل الضغط لتنفيذ شروطه المسبقة ، وهو يعلم جيدا إنّ ترشيح العبادي تم إستجابة للإستحقاق الإنتخابي ، ويعلم أيضا إنّ كثيرا من شروطه ليست من صلاحيات العبادي ، لكنه فجّر بالونه من أجل الكسب ! أرى إن طرح الشروط المسبقة من قبل البارزاني ، وكذلك من إتحاد القوى الوطنية خارج الأطار الدستوري والقانوني ، أو خارج صلاحيات رئيس الوزراء المكلف ، أو خارج الإستحقاق الإنتخابي ، مع التهديد بعدم الإشتراك في الحكومة في حالة عدم تلبية شروط كل كتلة أو حزب ، سيؤول إلى عرقلة تشكيل الحكومة ، واستمرار الأزمة رغم الظروف الحرجة والصعبة التي يمر بها العراق ، أرى من المهم الإتفاق على برنامج عمل الحكومة ، ثم التفاهم والتفاوض على المطالب لاحقا وفق القانون والدستور ، من خلال قنوات الحل في مجلس الوزراء أو البرلمان ، أما من يفرض الشروط المسبقة فأنه يعقّد المشهد ، ويصبح هو المشكلة في حين إنّ مصلحة الشعب العراقي والظروف الصعبة والخطيرة التي يمر بها تتطلب من الجميع التعاون من أجل أنْ يكون كل طرف جزءا من الحل .
من أجل أن نعطي صورة عن سيناريو التكليف الذي أريد له أن يحقق عدة أهداف منها إسقاط خيار تكليف نوري المالكي لدورة ثالثة وقد تحقق ذلك ، نستعرض بعض الأحداث ما بعد أعلان السيد نوري المالكي بالتنازل عن حقه الدستوري ودعمه لترشيح الدكتور حيدر العبادي ، بعد أيام قليلة من هذه الأحداث ، بدأ إطلاق الشروط المسبقة من مسعود البارزاني ، ومن إتحاد القوى الوطنية التي تضم كتلة متحدون برئاسة أسامة النجيفي ، هذه الشروط الغاية منها تحقيق مكاسب وامتيازات خارج الدستور والأستحقاق الإنتخابي ، وهم يعرفون جيدا أنّ رئيس الوزراء لا يستطيع أنْ يلبي هذه الشرط بقرار منه ، لأن بعضها من إختصاص البرلمان ، لكن هذه البالونات السياسية يراد منها الكسب على حساب المصلحة العامة ، ومصالح الكتل الأخرى وهذه طريقة السياسيين في الدورات السابقة أيضا ، يتصورون الحالة وكأنها سباق وصراع في ساحة منافسة يكسب فيها أكثر من يلوي أذرع أكثر، لكن لا يمكن أنْ يدار البلد بهذه الطريقة ، يظهر فيها السياسيون وكأنهم في حلبة مصارعة متجاهلون مصلحة البلد العامة ، وغير مكترثين بمصالح الآخرين .
إبتداء نحن كمواطنين نتمنى أنْ يكون التكليف فاتحة خيرعلى الشعب العراقي ، ولابد من الإشارة إلى أنّ سرعة استيعاب السيد المالكي لأهداف سيناريو التكليف فوّت الفرصة على الكثير من المتربصين شرّا بحزب الدعوة وبكتلتها دولة القانون ، ردّة الفعل السريعة والسليمة من المالكي أعادت الأمور إلى مساراتها الصحيحة ، وفي نفس الوقت أصيب الذين كانوا يعوّلون على سيناريو التكليف تحقيق أهداف لصالحهم أصيبوا بالصدمة ، بعد أن شاهدوا توحد دولة القانون من جديد تحت قيادة واحدة وتوحد حزب الدعوة الأسلامية خلف قيادته في دعمها لترشيح العبادي خلفا للسيد نوري المالكي ، لقد صُدِم من كان يطمح أنْ يفوز بمنصب رئاسة الوزراء من خارج حزب الدعوة الإسلامية أو دولة القانون ، وصُدِم من كان يراهن على تفكيك دولة القانون وتشظي حزب الدعوة الإسلامية ، وصُدِم من كان يريد شرّا للعراق .
من خلال استعراض الساحة السياسية العراقية بعد تكليف السيد العبادي ، رأينا بعض السياسيين أعلنوا تأييدهم للتكليف ، ورأينا الكثير من الدول في العالم والمنطقة الأقليمية والمنظمة الدولية إضافة إلى الجامعة العربية قد رحبّوا بتكليف العبادي وهذا أمرجيد ومفرح لأنّ العبادي شخصية وطنية محترمة لا غبار عليها ، لكن الملفت في المشهد والذي يثير الإنتباه أنّ قوى الخير وقوى الشر رحبت بالتغيير ، فكيف اجتمع أهل الخير وأهل الشر على هدف مشترك ؟!
في تقديري إنّ أهل الشر رحبوا في داخل العراق وخارجه ، لأنهم تخلصوا من المالكي ، ليس حبا في الشعب العراقي ، بل اعتبروها خطوه مهمة في طريق تحقيق الأهداف ، لأنّ المالكي كان شوكة في عيونهم ، وسدّا بوجه مخططاتهم لتقسيم العراق وكان عقبة في طريق قلب المعادلة السياسية لصالح حلفائهم من البعثيين والطائفيين حلفاء دول الشرّ في المنطقة ، وهذا المؤشر يؤكد أنّ محور الشرّ سيقبل بأي شخصية غير المالكي ، أما أهل الخير فقد رحبوا ليس رفضا أو كرها بالمالكي ، بل حبا في العراق ، وخشية من تصعيد التآمرعليه ، وخلق سينيورهات جديدة مؤذية للعراق وشعبه ، مثل ما حصل من تسليم الموصل إلى داعش ، ويخشى أهل الخير أيضا من أنْ يخرج الإستحقاق الإنتخابي إلى غير مستحقيه ، فبقاء منصب رئاسة الوزراء ضمن إستحقاق دولة القانون وحزب الدعوة الإسلامية ، أفرح أهل الخير وجميع أحباب العراق .
بعد أنْ أفاق بعض السياسيين الطامعين في الحصول على الإمتيازات والمكاسب خارج الطرق الدستورية والقانونية ، وخارج الإستحقاق الإنتخابي من الصدمة ، ندم البعض منهم على تكليف العبادي ، ومن هؤلاء أياد علاوي الذي لم يرحب بهذا التكليف لأنه كان يطمح أن يخرج التكليف من دولة القانون ، وكذلك السيد مسعود البارزاني عندما قال :
يفترض أن يكون بديل المالكي من خارج حزب الدعوة الإسلامية ، لأنه أعتبر العبادي سائر في خط المالكي كونهما من حزب واحد ، الظاهر إنّ مسعود يرفض أي مرشح يترأس الحكومة لا يوافق على تصرفات حكومة الإقليم التي تتقاطع مع الدستور والخارقة للسيادة ، وسيقبل بأي مرشح يلبي شروطه ومطالبه مهما يكن انتماؤه وخلفيته .
أخيرا نتمنى على جميع السياسيين بمن فيهم السيد مسعود البرزاني أن ينظروا إلى مصلحة العراق وشعبه أولا قبل المصالح الفئوية والحزبية والشخصية ، وأنْ يحتكموا إلى الدستورفي حل المشاكل ، سيما وأنّ الجميع يتعرض إلى الخطر في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها العراق ، ولا يظنن أحد أنه سيستفيد من الظروف غير الطبيعية التي يمر بها العراق ، بل الكل سيتضرر بنسبة معينة ، أتمنى أن يستوعب السياسيون هذا الدرس .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat