صفحة الكاتب : الشيخ علي عيسى الزواد

يا لثارات الحسين القسم الرابع والأخير
الشيخ علي عيسى الزواد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قول الامام الرضا (عليه السلام): (يا بن شبيب، إن كنت باكيا لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين.

 

يا بن شبيب، لقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده (عليه السلام): أنه لما قتل جدي الحسين (صلوات الله عليه)، مطرت السماء دما وترابا أحمر).

 

إن هذه الكلمات العظيمة الجليلة قد اشتملت على امور عدة منها:

 

الأول: مشروعية البكاء على الحسين عليه السلام.

 

فالبكاء على الحسين عليه السلام من الامور المشروعة التي حث اهل البيت عليها كثيرا، ولقد بكاه الانبياء والمرسلون والائمة الطاهرون، ولم يُقيّد البكاء الراجح بقدر معيّن او كيفية معينة أو ان يكون حضاريا - كما يدعي البعض – بل وردت الروايات مطلقة في مشروعيته وندبه، بل صرّحت بعض الروايات بالصراخ والعويل والضجيج ومن ذلك ما في دعاء الندبة:

 

(فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما والهما، فليبك الباكون، وإياهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضج الضاجون، ويعج العاجون).

 

عجّ: صاح ورفع صوته.

 

وهنا في دعاء الندبة اشارة لطيفة وهي: أن في الدعاء التعبير بالصارخين والضاجين والعاجين، فهل يتساوى الأمر لو عبر بدل ذلك بالمؤمنين أو الناس فيقال مثلا: وليصرخ المؤمنون، ويضجوا؟

 

طبعا لا يتساوى التعبيران لأنه أريد من المؤمن ليس فقط أن يصرخ بل يُعرف ويتصف بالصراخ ويصرخ في مصاب اهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما، كما انه ينبغي له ان يتصف بكونه من الضاجين والعاجين في مصاب اهل البيت عليهم السلام، وليس المراد احداث ذلك فقط.

 

فلا يُلتفت لمن يطلب من الناس ان يكون بكاؤهم خفيفا حضاريا، فإن هذه الدعاوى مجانبة للصواب وبعيدة كل البعد عن هدى محمد واله الطاهرين، بل هي انفاس موروثة ممن منع الزهراء عليها السلام من البكاء على ابيها وطالبوها بالتخفيف، وبهذا يطالب شيعة الزهراء عليها السلام. 

 

الثاني: افضلية البكاء على الحسين عليه السلام على البكاء على غيره.

 

إن توجيه العاطفة نحو الحسين عليه السلام وصرفها عن غيره من اعظم التربيات التي حث عليها أهل بيت العصمة والطهارة، ولذا جعل مصاب الحسين عليه السلام سلوة لكل صاحب مصاب، ولعل من هذا ما تعارف بين المؤمنين من ذكر مصاب أهل البيت عليهم السلام عند فقد عزيز كي تنصرف العاطفة نحو الحسين عليه السلام فإنه الاجدر والأحق بتلك الدموع، وكما قال الامام الرضا في الرواية: (إن كنت باكيا لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)).

 

الثالث: دواعي البكاء على الحسين عليه السلام.

 

يذكر الامام الرضا عليه السلام أن الموجب لأولوية البكاء على الحسين عليه السلام أمور وذكر منها:

 

1- إنه ذبح كما يذبح الكبش.

 

2- قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه.

 

3- لقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله.

 

4- لقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم.

 

وهذه الأمور الأربعة يطول الحديث حولها، ولكن يكفي أن نلتفت إلى أن مصيبة الإمام الحسين عليه السلام تفوق المصائب في كيفيتها المادية، كما أنها في كيفها المعنوي تفوق كل المصائب فإن المقتول هو ابن بنت رسول الله الامام الحجة على الخلق، والمسبي عرض رسول الله صلى الله عليه واله، والمسلوب هم ايتام محمد صلى الله عليه واله.

 

فمن يجرؤ على مقارنة نفسه او عرضه او أيتامه بنفس رسول الله وعرضه وأيتامه؟!!!

 

كما ينبغي التنويه على أن بكاء السماوات السبع والأرضين، ونزول أربعة آلاف من الملائكة وهم عند قبر الحسين عليه السلام شعث غبر يكشف ذلك بطريق الإن أن المصاب عند الله تعالى عظيم وجليل لا يمكن ادراكه وإنما تمت الاشارة الى عظمته من خلال بعض الآثار التي فعلها الله تبارك وتعالى.

 

الرابع: بيان بكاء السماء.

 

الروايات بينت أن السماء بكت دماً على الحسين عليه السلام، وبكت الارض دماً حتى ما رفع حجر الا ووجد تحته دم عبيط.

 

ولكن هذه الرواية بينت أن السماء قد امطرت ليس دما فقط بل أمطرت ترابا أحمر أيضاً.

 

وإنكار البعض ذلك تبعا للمخالفين لا يضير المؤمن في تشبثه باحاديث اهل البيت عليهم السلام.

 

كما أن دعوى أن ذلك لو حدث لتناقله الناس في تاريخهم ليست دعوى مبتنية على حجة شرعية ولا منطق عقلي، فإن مثل هذه الحوادث يفسرها الناس على ان الرياح مرت على مكان فيه اتربة حمراء، وان المطر قد تلوث بتلك التربة لذا نرى تلون المطر باللون الاحمر، والاتربة بسبب نقل الرياح لتلك الاتربة.

 

ولكن عندما يأتينا خبر عن أهل بيت العصمة والطهارة بأن هذه الظاهرة انما هي بكاء السماء فلابد ان نسلم ونعتقد بها ونترك التفسير المادي.

 

على أن التاريخ قد ذكر هذ القضية فهذه وثيقة تاريخية تؤكد هذه الحقيقة :-

 

فقد جاء في كتاب (وقائع عصر الأنغلو ساكسون) الذي ترجمه ونقّحه ميشيل اسوانتون (MICHAEL SWANTON) وصدر في بريطانيا عام 1996 للميلاد وأعيد طبعه ثانية من قبل جامعة اكستر (Exeter) في ولاية نيويورك الأميركية عام 1998 للميلاد، جاء في الصفحة 38 من هذا الكتاب ما نصّه:

 

(685. Here in Britain there was Bloody rain, and milk and butter were turned to blood)

 

ومعناه: (في عام 685 ـ للميلاد ـ هنا في بريطانيا مطرت السماء دماً وتحوّل الحليب والزبدة إلى دم أو صار لونهما أحمر).

 

وعند مقارنة هذه السنة الميلادية (685) مع السنين الهجرية نجد أنها تطابق سنة 61 للهجرة وهي السنة التي استشهد فيها مولانا أبو الأحرار الإمام الحسين وأهل بيته الأطهار وأصحابه الأخيار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

 

ولسنا بحاجة إلى قول هذا القائل وغيره وانما اوردنا لمجرد انس بعض المؤمنين بذلك. فليس بعد كلام اهل البيت كلام. بل إن القرآن اشار إلى وقوع هذا بقوله تعالى:

 

(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) - الدخان - الآية - 29 

 

فالآية تشير الى ان المعنيين ليسوا من اهل الصلاح حتى تبكي عليهم السماء.

 

كما لا ينبغي الالتفات إلى ما يدعيه بعض المنحرفين من أن بكاء السماء كان معنويا وليس ماديا، بعد قيام الحجة الواضحة بكونه دماً عبيطاً.

 

الخامس: شعار يا لثارات الحسين عليه السلام.

 

لقد ورد في جملة من الروايات - ومنها هذه الرواية- أن شعار (يا لثارات الحسين) هو شعار اتخذته الملائكة التي حول قبر الحسين عليه السلام، كما أنه شعار يرفعه الامام الحجة الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

فلا يُلتفت إلى من يطبل ويزمر في بعض الفضائيات بإنكار ذلك الشعار المقدس، ويدلك على عظيم جهله او شدة خبثه أو الامرين معا أنه فسر الثأر بمعنى المظلومية لا الأخذ بحق المظلوم، لأنه يرى بذوقه السقيم وفكره العليل أن الأخذ بالثأر ليس من الصفات الحسنة مع تواتر الروايات في الأخذ بالثأر.

 

أعادنا الله تعالى من جهل الجاهلين وعناد المعاندين وضلال الضالين المضلين.

 

واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ علي عيسى الزواد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/20



كتابة تعليق لموضوع : يا لثارات الحسين القسم الرابع والأخير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net