صفحة الكاتب : الشيخ علي عيسى الزواد

لا تشقي علي جيبا
الشيخ علي عيسى الزواد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ذو الحجة البالغة، الذي أعلى كلمة الحق، وجعل كلمة الباطل هي السفلى، والصلاة والسلام على النبي الأكرم والرسول الأعظم محمد واله الطيبين الطاهرين الذين من احبهم فقد احب الله ومن عظمهم فقد عظم الله عز وجل.

 

واللعن الدائم على اعدائهم المنكرين لفضائلهم والمشككين في مقاماتهم.

 

وبعد:

 

إن أهل النصب والعناد لا يفترون عن التشكيك في كل ما جاء عن أهل بيت العصمة والطهارة، مستغلين جهل الجهال تارة وغفلة الضعفاء تارة اخرى، فينفثون سمومهم بكل وقاحة وقلة حياء بلا وازع من دين ولا خلق انساني.

 

ومن تلك المفردات المثارة هل أن الحوراء زينب عليها السلام قد شقت جيبها حزنا على الحسين عليه السلام؟

 

وهل نهاها الحسين عليه السلام عن ذلك أم لا؟

 

وأجيب عن هذه الشبهة بأمور ثلاثة:

 

الأمر الأول:

 

عُدّ شقّ الثوب عند المصيبة من الجزع، ومع ذلك استثنى فقهاؤنا الشق على الأب والأخ، ولم يعرف مخالف منّا سوى قول نادر لابن إدريس، قال في جواهر الكلام للشيخ الجواهري ج4 ص369: 

 

ومن استدلال الصادق (عليه السلام) بشق موسى على أخيه هارون (على نبينا وآله وعليهما السلام)، ومرسلة المبسوط المتقدمة المنجبرة بفتوى الأصحاب عدا النادر، بل نسبه غير واحد إليهم بدون استثناء، يستفاد حكم المستثنى أي جواز الشق على الأب والأخ، مضافا إلى ما حكي في الفقيه وغيره مرسلا من شق العسكري (عليه السلام) قميصه من خلف وقدام عند موت أبيه (عليه السلام).

وعن كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري، عن أبي هاشم الجعفري قال: خرج أبو محمد (عليه السلام) في جنازة أبي الحسن(عليه السلام) وقميصه مشقوق، فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة (عليه السلام) شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) يا أحمق وما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون. ونحوه المحكي عن الكشي في كتاب الرجال مسنداً.

 

فما عن ابن إدريس من القول بالحرمة فيهما ضعيف، بل لا يبعد القول حينئذ بالاستحباب للتأسي. كما انه من ذلك وما تقدم بل أولى منه يستفاد جوازه للمرأة أيضا فيهما، مع أنه لا خلاف فيه إلا منه أيضاً، وهو ضعيف كسابقه، لما عرفت مما تقدم، مضافا إلى ما في خبر خالد بن سدير عن الصادق(عليه السلام): ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود، الفاطميات على الحسين بن علي‘، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب. إذ من المعلوم فيهن بناته وأخواته. 

 

الأمر الثاني:

 

ولو سلمنا جدلا بأن شق الجيب محرم حتى على الاخت، ولكن الجزع على أهل البيت (عليهم السلام) ليس بمحرّم بل هو راجح قطعاً مطلوب حتماً، فلقد روي استثناء الجزع على أهل البيت (عليهم السلام) من حرمة الجزع، ومما يدلّ على ذلك روايات منها:

 

ما عن الأمالي للشيخ الطوسي ص161: عن معاوية بن وهب، قال: كنت جالسا عند جعفر بن محمد‘ إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

 

فقال له أبو عبد الله: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يا شيخ ادن مني، فدنا منه فقبل يده فبكى.

 

فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): وما يبكيك يا شيخ؟

 

قال له: يا ابن رسول الله، أنا مقيم على رجاء منكم منذ نحو من مائة سنة، أقول هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم، ولا أراه فيكم، فتلومني أن أبكي!

 

قال: فبكى أبو عبد الله(عليه السلام) ثم قال: يا شيخ، إن أخرت منيتك كنت معنا، وإن عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول الله’.

 

فقال الشيخ: ما أبالي ما فاتني بعد هذا يا ابن رسول الله.

 

فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): يا شيخ، إن رسول الله’ قال: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله المنزل، وعترتي أهل بيتي، تجئ وأنت معنا يوم القيامة.

 

قال: يا شيخ، ما أحسبك من أهل الكوفة؟ قال: لا.

 

قال: فمن أين أنت؟ قال: من سوادها جعلت فداك.

 

قال: أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين(عليه السلام)؟ قال: إني لقريب منه.

 

قال: كيف إتيانك له؟ قال: إني لآتيه وأُكثر.

 

قال: يا شيخ، ذاك دم يطلب الله (تعالى) به، ما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين(عليه السلام)، ولقد قتل(عليه السلام) في سبعة عشر من أهل بيته، نصحوا لله وصبروا في جنب الله، فجزاهم أحسن جزاء الصابرين، إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله’ ومعه الحسين(عليه السلام) ويده على رأسه تقطر دما فيقول: يا رب، سل أمتي فيم قتلوا ولدي. وقال(عليه السلام): كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على ا لحسين (عليه السلام).

 

أمّا من حيث السند فبعض العلماء وصفها بالصحيحة كالشيخ ميرزا جواد التبريزي (قدس سره) في صراط النجاة ج3 ص443: 

 

س 1268: هل ترون أنه من الداعي إثارة مصيبة كربلاء بين الناس بشكل عنيف وحماسي أم لا؟

 

ج: البكاء الشديد والإبكاء المثير من الأمور المستحبة، التي دلت على رجحانها النصوص الكثيرة، ففي الوسائل باب 66 من أبواب المزار روايات كثيرة في استحباب ذلك، ومنها صحيح معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام) انه قال لشيخ: أين أنت عن قبر جدي المظلوم الحسين، قال: إني لقريب منه، قال(عليه السلام): كيف إتيانك له، قال: إني لآتيه وأُكثر، قال: ذاك دم يطلب الله تعالى به، ثم قال: كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين(عليه السلام). والله العالم.

 

كما أنّ بعض العلماء وصفها بالحسنة كالسيد الخوئي (قدّس سرّه) في كتاب الطهارة ج9 ص227.

 

وأمّا من حيث الدلالة فقد استثنت الجزع على الحسين(عليه السلام).

 

ونفس المضمون روي في روايات أخرى مثل ما رواه الحرّ العاملي في الفصول المهمة في أصول الأئمة عن كامل الزيارات ص100 بسنده عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن على(عليه السلام) فانه فيه مأجور.

 

ثم قال الحرّ العاملي: أقول: والأحاديث فيه كثيرة.

 

الأمر الثالث:

 

إن كلام الامام الحسين (عليه السلام) إلى اخته زينب: (يا أخية إني أقسمت فأبري قسمي ، لا تشقي علي جيبا ، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت)، ليس منافيا لما ورد من أن زينب (عليها السلام) قد شقت جيبها فيجاب عنه بأمور:

 

الأول:

 

الرواية لم يثبت صحة سندها فلا تعارض ما دل بالأدلة المعتبرة التي ذكرناها في الأمرين السابقين.

 

الثاني:

 

إن صحت الرواية فإن النهي مقيد بوقت مقتله لا مطلقا ولذا قال في اخر النص المنقول هنا: إذا أنا هلكت. يعني وقت مقتله.

 

الثالث:

 

لو تنزلنا وتنازلنا عن ذلك كله فإن ما نقل من أن زينب عليها السلام قد شقت جيبها إنما هو قبل النهي حينما سمعته يردد ابياتاً فهمت منها أنه ينعى نفسه المقدسة.

 

الرابع:

 

إن هذا النهي - لو تم – لابد من أن يحمل على الارشاد لا المولوية، لرجحان الجزع على الحسين (عليه السلام). بمعنى أن النهي هنا من قبيل نهي الطبيب عن شيء فإنه ليس محرماً ولا مكروهاً.

 

وأخيرا أقول:

 

إن هذه الاجابة تنفع المؤمنين في الرد على امثال هذه الشبهة.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ علي عيسى الزواد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/29



كتابة تعليق لموضوع : لا تشقي علي جيبا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net