صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٣٠) وَالأَخيرةُ
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
   كلُّ آيات القرآن الكريم التي تتحدَّث عن الجهادِ والإِنفاق تقدِّم المال على النَّفس، كما في قولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وهو ما يُفسِّرهُ المُفسِّرون على أَنَّ التَّضحية بالمال أَسهل من التَّضحية بالنَّفس، فمن لم يُنفق أَو يُجاهد بمالهِ لم يُنفق أَو يُجاهد بنفسهِ بالتَّأكيد.
   بمعنى أَنَّ القُرآن الكريم قدَّمَ ما هو أَسهل على المرء ثمَّ أَتبعهُ بالأَصعبِ عليهِ.
   وهو تفسيرٌ معقولٌ ومقبولٌ إِلى درجةٍ كبيرةٍ.
   لكنَّني أُريدُ هنا أَن أَنظر للفكرةِ من زاويةٍ مُغايرةٍ، فرُبما قصدَ القرآن الكريم إِلفات عِناية المُتلقِّي إِلى أَنَّ الجهاد وإِنفاق المال أَهم ومُقدَّم على الجهاد وإِنفاق النَّفس، ولذلك قدَّم الأَوَّل على الثَّاني، بمعنى أَنَّهُ قدَّم الأَهم وليس الأَسهل! فإِذا كان النَّاس يُنفقُون أَموالهم عند الضَّرورة ووقتَ الحاجةِ وقبلَ أَن تقعَ المُصيبة لما احتاجوا إِلى أَن يُقدِمُوا على الجهادِ وإِنفاق أَنفسهِم بسبب تدهور الأَوضاع وتعقُّدها، فبالمالِ يدفعُون الضَّرر ويوفِّرون الدَّم.
   فالمالُ يحمي النَّفس بدرجةٍ كبيرةٍ! كما يحمي المُجتمع من الكثير من المخاطر قَبْلَ وقوعها وكأَنَّهُ مصدٌّ للمشاكل ولذلكَ جاء الحثُّ على إِنفاق المال بشَكلٍ واسعٍ كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} وقولهُ تعالى {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وقولهُ عزَّ وجلَّ {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وقولهُ تعالى {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }.
   حتَّى أَنَّ الإِنفاق هنا في الولايات المتَّحدة الأَميركيَّة، سواء الحكومي مِنْهُ أَو غَير الحكومي، يُعتبر أَحد أَهم أَدوات حِماية الأَمن القومي، تنظِّمهُ وتحميه تشريعات وقوانين.
   لنضرِبَ مثلاً لتوضيحِ فكرة حماية المال للنَّفس؛
   الإِرهابُ، مثلاً، سببهُ الجهل بالدَّرجةِ الأَساس والذي يُساهم في إِنتشار العقيدة الفاسِدة والأَفكار الشاذَّة والتَّفسير الخاطئ للدِّين وتحديداً للنصِّ القرآني، ما يمنح الأَرهابيِّين فُرصةً لغسلِ أَدمغةِ المُغرَّر بهِم لتجنيدهِم، فَلَو أَنَّ النَّاس أَنفقُوا أَموالهم لنشرِ الثَّقافة والفِكر السَّليم والتَّفسير الصَّحيح للدِّين والنُّصوص القرآنيَّة، فأَنفقوا أَموالهم لبناءِ المدارس والمعاهد العلميَّة المتخصِّصة وأَنفقوا أَموالهم لتبنِّي البعثات الدراسيَّة العُليا ولخلقِ فُرص العمل للشَّباب ولخلقِ فُرص التَّرفيه والرِّياضة للنشء الجديد وأَنفقُوا أَموالهم للمُساهمة في تحقيق مبدأ التَّكافل الإِجتماعي بمُساعدة الطَّبقات الفقيرة والمُستضعفة لإِنتشالها من الحاجةِ والفاقة، وعدم إِفساحِ المجالِ لزُمرةٍ خاصَّةٍ تستولي على المال العام وتتصرَّف بهِ كيف تشاء {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ولَو أَنَّهم أَنفقُوا أَموالهُم لتسهيلِ زواج الشَّباب والشابَّات، وأَنفقوا وأَنفقوا، لما تمكَّن الإِرهاب من غسلِ أَدمغةِ النَّشء الجديد لتجنيدهم في صفوفهِ وبالتَّالي ليتمكَّن بذلك كلِّهِ من السَّيطرة على نصف الأَراضي العراقيَّة الأَمر الذي احتاجَ إِلى فتوى الجِهاد الكِفائي من المرجع الأَعلى وتعبئة الشَّعب الذي أَنفق الغالي والنَّفيس و [النَّفس] لتطهيرِ البلاد من شرِّ الإِرهاب!.
   وقس على ذَلِكَ العديد من الأَمثلة والنَّماذج بهذا الصَّدد!.
   بإِمكان المال أَن يوفِّر الكثير من الدِّماء والتَّضحيات والخراب الذي يتسبَّبهُ السَّيف إِذا ما تمَّ إِنفاقهُ في الوقت المحدَّد والزَّمن المطلوب.
   وكلُّ هذهِ النَّماذج هي مصاديق واضحة على ما أَرادت الآيات الكريمة إِلفات النَّظر إِليه كَون إِنفاق المال والجهاد بهِ أَهم من إِنفاق النَّفس والجهاد بها، وأَنَّ الأَوَّل يكفي في أَحيان كثيرةٍ عن الثَّاني! فهوَ يوفِّر النُّفوس والأَرواح والأَعراض من الإِنتهاك. 
   ولقد وبَّخ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) البُخلاء بالمال ثمَّ النَّفس بقولهِ {فَلاَ أَمْوَالَ بَذَلُْتموهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا، وَلاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا، تَكْرُمُونَ بِاللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلاَ تُكْرِمُونَ اللهَ فِي عِبَادِهِ! فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَصْلِ إِخْوَانِكُمْ!}.
   أُنظرُوا كيفَ يتحدَّث القرآن الكريم عن إِنفاق [الكُفَّار] للمال للصدِّ عن الإِيمان {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ} قبل أَن يتحدَّث عن سلاحهِم وقتالهِم، للتَّعبيرِ عن أَهميَّة المال في خُطط الصدِّ.
   كما يتحدَّث لنا عن كيفيَّة توظيفهِم المال في حربهِم الإِقتصاديَّة على المُؤمنين لإِضعافهِم ورُبما لدفعهِم بعيداً عن رَسُولِ الله (ص)!.
   يَقُولُ تعالى {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}.
   ذات الأَمر بالنِّسبةِ إِلى المُسلمين فإِنَّ للمالِ دورٌ محوريٌّ ومفصليٌّ في إِفشالِ خُططهِم ومكائدهِم وفِي تحقيقِ خُطط النَّجاحات والإِنجازات والعمل الصَّالح!.
   الأَمرُ المُهمُّ الذي ينبِّهُ لَهُ القرآن الكريم بهذا الصَّدد هو التَّوقيت وأَهمِّيتهُ ، فليسَ المُهم أَن تنفقَ مالاً ما إِنَّما المُهم هو متى تنفقهُ؟! فليسَ كلُّ إِنفاقٍ يؤَدِّي الدَّور المطلوب بالضَّرورة فالإنفاقُ المُتأخِّر قد يضرُّ، ولذلك حثَّ القرآن الكريم على الإِنتباه للتَّوقيت من خلالِ تمييزهِ بين إِنفاقَين، واحدٌ في الوقت المناسب وآخر خارج التَّوقيت أَو متأَخِّرٌ عَنْهُ.
   يَقُولُ تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
   وقولهُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقولهُ تعالى {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}.
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/06/05



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٣٠) وَالأَخيرةُ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net