صفحة الكاتب : نسيم الحسناوي

تاريخُ التشكيل على مادة النحاس الجزء الأول
نسيم الحسناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  يعتبر معدن النحاس من أقدم المعادن التي اكتشفها الإنسانُ القديم، وطوّعها لاستخداماته المختلفة، حيث وجدَ في الطبيعة على شكل قطع حمراء نقية؛ مخلوطة بصخور منذ أكثر من (10000) سنة، واستعمل للأغراض المعيشية. وكان المصريون القدامى قد استخدموا النحاس في صنع أنابيب مياه الشرب والتصريف، وفي عصر الحضارة الإسلامية استخدم النحاس في صكّ النقود، كما استخدم أيضاً في صناعة أواني الطعام، وأوعية السوائل، وأدوات الزينة، وفي طلاء السفن الخشبية؛ حتى لا تتعرض للتلف. 
 من الصعب تحديد المكان الذي صنعت فيه أولى الأدوات والأسلحة النحاسية. والشيء المؤكد أن هذه الصناعة تطوّرت في أحد مراكز العصر الحجري الحديث المتطورة في الفترة من حوالي 7000-6000 ق.م. ويرى البعض بأن مصر هي التي بدأت هذه الصناعة، كما يرجع البعض بداية صناعة النحاس بالعراق. ومما يؤكد احتمال أن تكون مصر أو العراق قد بدأتا صناعة النحاس؛ أنه توجد في مصر مناجم سيناء، وهي ليست بعيدة عن العراق، فإذا كانت مصر هي الأولى في صناعة النحاس؛ فلا بد أن العراق قد ساهم أيضاً في أن يكون من المناطق السابقة في صناعة النحاس. ويرى البعضُ أن المصريين عرفوا صناعة النحاس من العراق عبر سوريا.
 وتعتبر صياغة النحاس مهنة لها عراقة ومكانة خاصة لدى العراقيين، وظلت هذه الصناعة ركيزة أساسية للحياة اليومية، ونشاطاً تجارياً يدخل كل بيت؛ عبر الأواني المستخدمة في مختلف الأنشطة. فالأواني النحاسية بالنسبة لبيت الزوجية؛ لا تعكس فقط قيماً جمالية؛ وإنما تكرس لاستخدام عملي يرتبط بالعنصر الجمالي، ناهيك عن البعد الصحي الكامن في معدن النحاس، مقارنة مع غيره من المعادن المستخدمة في صناعة أواني الطعام... إلا أن الحال تغير في الأغلب الأعم، واتجه الاهتمام بالنحاس إلى اقتناء بعض القطع التذكارية وزينة البيت، فلذلك نجد اختفاء حرفة صناعة التحف النحاسية، وإغلاق كافة النشاطات التي كانت تسعى لتنشئة حرفيين أكاديمين. وهذه الحرفة كانت ومازالت تعكس روح وحياة وثقافة المجتمع العراقي، فالتحف النحاسية تنقل في أشكالها وزخرفتها تاريخ حقبة معينة، أي أنها بمثابة سجل لتاريخ الفترة التي نشأت وانتشرت خلالها.
 يتطلب التشكيل على مادة النحاس دقة في إبراز التفاصيل، وعدم التسامح مع أي خطأ، وتحويل النحاس الى لون من الألوان التي يرتبط التعامل معها وفق رؤى وتطورات، وتوظيف ذلك لخدمة العمل يستدعي ثقافة معرفية متنوعة يتمتع بها الفنان، مثلا معرفة إمكانية النحاس وماهيته العلمية، ودراسة عمليات الضغط، لكي نحظى بفهم مدرك للمساحات... ثم نسعى لبناء الموضوع بناء فنياً يتواءم وصفات خدمة فكرة العمل، ونوعية النحاس وتوافقيته للاستخدام الفني بأنواعه الأصفر والأحمر والخلط بينهما، ومنها تشكيل الموضوع الأساس... وهذا يتطلب من الفنان أن يكونَ صاحب معرفة في جميع الأساليب الفنية، ومنها اسقاط الأسطورة أو إضفاء أساليب تعبيرية وسريالية، لكي يكونَ العملُ الفني ضمن مقومات التواصل مع القيمة الفنية الموضوعية لقيم التواصل، ومنها معرفة التراث سعياً لتشكيل الهوية والانتماء الوطني الانساني... 
 ويعد نقصُ خام النحاس وغلاء ثمنه؛ من أهم المشاكل التي اعترضت العمل في الوقت الحاضر، غير أن (الصفّار) يشعر بالأسف لأسباب كثيرة، منها طغيان الصناعات المستوردة، وقلة النحاس في السوق، وتحول الصفارين لمهن أخرى، وقلة السائحين الذين كانوا يعتبرون الزبائن الأفضل، وأخيرا قلة الاهتمام الحكومي بهذه الحرفة التراثية القديمة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نسيم الحسناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/10



كتابة تعليق لموضوع : تاريخُ التشكيل على مادة النحاس الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net