زهراء سالم
في ذلك الزَّمان القريب
حيث امرأة...
انحنت لها الدُّنيا إجلالاً وتفاخرت بها الآخرة إكراماً
وجدت قبل الوجود
كأنَّها زجاجةٌ فيها مصباح ملئ الملكوت الأعلى نوراً حتّى هوتْ الأملاكُ ركَّعاً سجّدا، شغلتهم الأنوار وعمت الأبصار حتّى غدوا يسبّحون تقديساً وتعظيماً.
سُبحانك ربّنا
حمداً وشكرانا
حتّى أذِن الجليل أن تستقّر في رحم سيّدة عظيمة صدّيقة جليلة،يغضبُ الله لغضبها ويرضى لرضاها، ووالدٍ قالَ اللهُ كن فكانَ عليّاً.
آنَ المخاض ودقَّتْ ساعةُ الأفراح، حتّى وضعت الصدّيقةُ مولودتها العفيفة،بين يديّها مهلّلة بالحمد والتّسبيح شاكرة لله فواضل نعماءه.
قدِمَ الحبيب،وفاحت رائحةُ الطيب،ليبارك لهما في مولودتهما وهو يسترسل طيب الكلام وضعها عليُّ بين يديّ جدّها كأنَّها البدرُ في ليلة تمامه وكماله، يضئُ وجهُها نوراً وتتوسمُها هيبةُ الأنبياء، قبّلها وأقامَ في أذنيّها وقالَ أسميتكِ( زينب).
زيّن الأمّ حوراءً وزيّنَ الأب
حتّى انفجرت عيناهُ بالدّموع ،كأنَّهما لؤلؤاً انتثر ليملئ وجنتيّه الطّاهرتين، وتتغيّر تقاسيم وجهه الّتي طالما ملئت قلوب أمّته ضياءً،عَلِمَ ما سيجري عليها عمّا قريب.
نجمةٌ بين أروقة البيّت الطّاهر، بيتٌ طالما كانَ خادمه جبرائيل، بين أحضان القرآن النّاطق، وبين الصلاة الواجبة، وسيّدا شباب أهل الجنّة ترعرعتْ أمّ أخيها.
بعلمِ محمّد، وشجاعة علي، وعفّة فاطمة، وحلم الحسن، وفداء الحسين، نشأت زينب (عليها السّلام).
إلا إنَّ الدّنيا الدنيّة لم تمهل هذه الزّهرة البيضاء من أن تهنئ بالحياة حتّى فجعتها بأحبّ الخلق إليّها، وجعلتها تعاني مرارة الفراق، ومن هنا ابتدأت حكاية الأحزان.
حكايةٌ كتاب عنوانه ""زينب والحزن""
كتابٌ سطرت حكايته بطلةٌ ، لم يذكر لها الخلق مثيله، من سلالة نبي ، وابنة وصي، كانت على الجليل عزيزة، وخطّته ليالي الفراق الطّويلة، وفصوله مصاحف ناطقة، وشموس ساطعة، كلّ فصل منها يحكي قصّته العجيبة؛ ليعجز الدّهر على أن يأتي بمثيله، كتبته في ليالٍ ظلماء على ضوء قنديل تعذّرَ لليّلِ على أن يضيئه، إلا أنَّها أوقدت روحها شمعة على مرّ السّنين العديدة، لتسطر وتسطر فصول حزنها كل فصل يرسم لنا صورة كأنَّه قرآن حوى سورٌ عظيمة، فابتدأت بـ( اقرأ) بحزن زينب الأعظم، ببسم الله والحمد وفقد ""محمّد"""
ما أعظم البلاء، مصابٌ هزَّ السماوات،وأحزن الكائنات، وكاد الوجود يطوى كطيّ السّجل، صغيرةٌ ضعيفةٌ، زهرةٌ جرحتْ مشاعرُها أشر الخلق ، ليطوى ساقها من شدّة الألم ، وتنهل دموعها على وجنتيّها كحبّات لؤلؤ نثرها الحزن بجرح الآسى ، لتبقى تتصفّح قسمات وجهه بنفسه الأخرى أنَّه "" عليُّ الدّر والذّهب المصفّى""" إلا إنَّ حزنها لم يضمّه فصلها، فأي الكلمات تصل مقام المصطفى ، انطفئ نوره ، وأظلم الوجود بغيابه، سيبقى في ذاكرة الزّمان مخلّد وفي القرآن محمّد.
برهةٌ من الزّمن بين حزن الجد وألم الفقد تطاولت يد الزّمان على خيرة النسوان، فابتدأت زينبٌ ثاني فصل الأحزان لتفتح عيناها على مصيبةٍ لو أذنَ بها الرّب لانقلبت الأكوان، دار الوحي تحاط بالنيران، وفاطر خلف الباب تُعصر بحقدٍ ، واسقطوا منها سورة، هوتْ بأضلاعهامكسورة ، وعينها المحمرّة، وخلفها التين والزّيتون ينحبون ، وترى القرآن يسحبه طليق إبليس بحبل الوصيّة،لو نطق فقّاره لأخرس شيطانه، حقَّت أن تنزل عليهم "براءة من الله ورسوله""وهكذا أصبح حال فاطر ،وهي تفطّر بأنينها السّماء حتّى اقتربت السّاعة ورحلت فاطمة.
بيتٌ أطفأت شمعته، وكسّر الحمام أجنحته، زينب بين فقد الأم وحزن الأب، طويت أيّام حزنها، وانكسفت شمس عمرها، مات الوجود بعدك يا عمر الورود.
جراحات تلتها جراحات ،وزينب لا تقوى على المصيبة﴿صبرٌ جميل والله المستعان﴾، ارتدت ثوب الأحزان ، وجلست بظل القرآن، أنّه علي ذاك خير الثقلان، لا تنسى جرحها ،غادرت المدينة بروحها الحزينة مودّعة جدّها وأمّها، ويعزُّ عليها الفراق ، لكن شاءت الأقدار وأمر العلي الجبّار، أن تستقرّ بكوفة الغدر، أي استقبالٍ؟!
سنواتٌ عديدة، بالحزن مديدة، أي أمرٍ تبيت هذه الوجوه العديدة، أقنعة الغدر دفينة، مرّت السنون وتزوّج الأهلون، وزينب في بيت بعلها كأنَّها شمسٌ تضيء سماء الوجود وبنيها كأنّهم كواكب نور يملؤون دارها بهجة وضياء، عدَّت الأيّام وتلاشت الأحلام ،لتفيق زينب على جرحٍ أعادها إلى أوّل مصيبة،، اقتربت السّاعة وانشّق القمر، حرمة الله تستباح في أفضل شهر آن الأوان ، وكبّر الأذان، ليصكّ نداء سيّد الأوصياء مسامع الأمّة بـ( فزتُ وربّ الكعبة).
ابتدأت صفحات الحزن تخطَّ بدماء سيّد الأوصياء، ودموع زينب تهزّ السّماء، يومان واهتزّ الثقلان، علي يشيّعُ بالجثمان، ما أصعبها على الحسنين،علي المرتضى يطّهرُ طوى.
يا نزف الدّماء، وفصل الأرزاء، أيّ قلبٍ يحملُ فرقة الآباء؟! أأقولُ صبراً أم يا دهر مهلاً بزينب الحوراء.
شدَّت الرّحال ولم تعد الكوفة صالحة للنّزال،سأعود إلى مدينة مدينتي ،واترك روحي الّتي قطّعتها مصائب الأزمان، عند قبرك يا علي ، ضمَّها إلى صدرك ضمَّة المفارق الحزين، وقل لي سلاماً يا زينب من طوارق الحدثان،فأنا جنبك صبراً في مجال الحزن، صبراً يا ابنة الكرار.
تركت روحها عند أبيها ، وفاضت مشاعرها شوقاً ولهفةً لمدينة نبيّها،تفتّحت الجروح، وفاضت الرّوح إلى قبر جدّها، تشكوا إليه فراق أمّها وأبيها، ما أن استقرّت حتّى كسر ظهرها بفراق أخيها، وهي تراه يتضور ألماً سمُّ سرى في أحشاء ريحانة المصطفى، قضى فصل الخطاب، وآن المصاب فاستعدّي يا زينب لفصل النحيب والبكاء وشيعي بدموعك نعشاً ملأته سهام الغدر، وتطاولت عليه يد الشر، وانتهت حياة الوسن بفقد شمس الحسن.
ثوب حزن فوق ثوب ولم يتبقَ سوى نبضات قلبٍ، أتعبته الأحزان ، وجلست بسند الحسين ، وترى فيه صورة الخلاّن ، تشبثت به كتشبث الغارق ولا إنسان بين نزاعات الشيّطان ، وسطوة الحق والقرآن، يستعد الحسين لفداء الدّين بقوّة وإيمان.
عذراً منكِ سيّدتي...
سقطتْ أحرفي منك استحياء، وأغمضت عينيّها حتّى لا ترى شمساً ضّرجت بالدّماء، وقمراً هوى جنبَّ الماء، وشبيه رسولٍ مقطّع الأعضاء،، وشباباً دمه الحنّاء ورضيعاً ذنبه ابن سيّد الشّهداء،ويتامى ماتَ في عيونهم الماء،وعليلاً لا يملك سوى الدّعاء، وخيام أحرقت بلا حياء.
وأمّا أنتِ؟!
جبل الصبر وكهف الأرزاء،لم استطع أن اخطَّ فصلكِ، سأكتفي بلفظ " كربلاء".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat