(تأملات في كتاب المصابيح لسماحة السيد أحمد الصافي) 67
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز

يمتلك منهج الأئمة "عليهم السلام" في التربية والأخلاق بنية جمالية عالية، تمثل التعبير الفكري، تختلف عن منهجية غيرهم، أثر الوعي الرسالي الذي هو من أهم الأسس الارتكازية لهذه المدرسة، وتنبثق فكرة السعي الجمالي من الأثر العلمي لها.
يرى سماحة السيد أحمد الصافي، من مميزات مدرسة أهل البيت "سلام الله عليهم" على المستوى الفقهي بتنوع الأحكام الفردية والاجتماعية والأخلاقية، وعلى مستوى بناء الذات، مجموعة كبيرة من الأحاديث والمعارف، والمبحث الجمالي يرتبط بجمالية الفكر عبر تلك المميزات بجانبها الاكاديمي بعملية استقراء التراث، الولوج للعمق التكويني يدخلنا إلى الجانب العلمي الذي يعيق التواصل الشمولي ويجعل الخطاب نخبويا، لذلك كان التركيز على أمهات المسائل الأساسية لتكوين فكرة عامة عن الأخلاقيات التي يتضمنها الدعاء، وطبيعة المعالجة.
والبنى الجمالية هي ما تحمل من رؤى معرفية ووعي مدرك يثير فينا دلالات الخير والجمال في مكنون الدعاء، بما يمتلك من مميزات التواصل وأساليب المعالجة، وأثرها الإدراكي الذي يقوي ركائز الانتماء.
عرض لنا الإمام السجاد "عليه السلام" مجموعة من الأمراض التي لا بد أن نتوخاها.
يكمن المنحى الجمالي الحقيقي في التجاوز الزمني، وجود الزمن يجعلنا نقرأ الأدعية بذاكرة الماضي، وستكون عبارة عن تراث لا غير ولكن حرارة التفاعل التي تزخر بها هذه الأدعية تجعل الكلام وكأنه موجه الآن، وله تأثير تربوي، شعوري، نفسي، يقول الإمام السجاد "عليه السلام" (وَما أجْرى عَلى لِساني مِنْ لَفْظَةِ فُحْشٍ أوْ هَجْرٍ أوْ شَتْمِ عِرْضٍ أوْ شَهادَةِ باطِلٍ أوْ اغْتِيابِ مُؤْمِنٍ غائبٍ أوْ سَبِّ حاضِرٍ وَما).
الرؤى التي ترتبط بنظم معرفية أخلاقية ارتباطا مباشرا في الدعاء الذي هو منهج من مناهج الفكر المعصوم، لهذا تشعر الموضوع عبارة عن وجهات نظر كل حسب منهجه الفكري، منها ما ينطلق خارج حدود البنية بوصفها جزء من الجوهر الرسالي، مثل موضوع الاختيار والجبر.
يرى سماحة السيد أحمد الصافي أن نسبة الأجراء إلى الشيطان لا يبرئ الإنسان من مسؤوليته، كيف يجري الشيطان على لسان إنسان، إذا تكلم الإنسان بكلام سيء هل من حقه أن يقول أجراه الشيطان على لساني؟
ويخلص نفسه من المسؤولية أمام الله والناس، ليصل بنا إلى نتيجة أن ليس للشيطان سلطان على الإنسان، تمت الإشارة من بعض الأدعية عند الإنسان بمقتضى عقيدته، يختار الأفعال والأفعال التي يحاسب عليها.
هناك أشياء تلامس حياة الإنسان بقوة، منها المفروض عليه، وتلك لا يحاسب الله الإنسان عليها مثل لون الإنسان، والطول، والشكل، والأفعال اللا إرادية، بل يحاسب الله الإنسان على الأفعال التي يكون مسؤولا عنها، وأما عذر إغواء الشيطان فهذا لا يؤخذ به كتبرير، لأن الشيطان لا يستطيع سلب إرادة الإنسان، يمكن له أن لا يستجيب، الإسلام لا يتقبل مثل هذه الذريعة، فالوعي المؤمن من طبيعة مدركاته الأساسية الترفع عن مسايرة الشيطان في مشاريع الفحش، وهتك الحشمة الإنسانية، وهذا هو فعل الشيطان، يرغب بمثل هذه الأفعال، كون مهمته الأساسية هي الإغواء، الغواية في كيانه، وفي ماهيته، وديدنه، أن يغوي بني آدم وهذا لا يحدث إلا بسبيل واحد هو الابتعاد عن الله سبحانه وتعالى، الشيطان وظيفته الأساسية هي إبعاد العبد عن الله تعالى.
هناك حقيقة فكرية تدرك أن الإنسان وفق مبادئ الدين والإنسانية يفقد الكثير من شأنه لو ابتعد عن أساليب اللياقة، فشتم عرض، والعرض كل شيء يعود للإنسان أهله، وناسه، وعرضه في دينه.
والقبح الأخلاق هو ضعف في الدين، والتربية، والأخلاق، وهي من الأمور التي تساهم في إسقاط الإنسان لذاته، وهويته، ومعناه، وهذا القبح هو عبارة عن ذنوب خطيرة تم حصرها في ثلاث الفحش والهجر (الهذيان) الخروج عن المألوف العقلي والشتيمة.
التحذير من تلك الأمور السلبية الشائعة في أوساطنا الاجتماعية، حتى وصل الأمر والعياذ بالله الى مرحلة التجاوز على الذات المقدسة والأئمة الأطهار بلا رادع، ومنهم من يتعود على هذا القبح منذ سنوات صباه، وهذه من المشاكل الأخلاقية والتربوية، وهي من أمور القبح التي تبعد المجتمع عن الانسجام، وتفقده التوازن، وتجعله عرضة للأمراض التي تبعد عنه الهوية الإسلامية وتمنع عنه الفرج.
نحن نؤمن أولا أن المنجز الدعائي هو من المنجزات المؤثرة في صياغة قراءات متنوعة وكل قراءة لها أساليب ورؤى، وقاعدة فكرية تتحرك عليها موازين القراءة، وقراءه سماحة السيد أحمد الصافي قدمت رؤية فاعلة في إطار فكري معرفي على ثماني مرتكزات مهمة
(المرتكز الأول)
معالجة السلبيات الاجتماعية، لا يمكن أن تنجز بكلمة تحذير مكتوبة في الكتب الفقهية، الأمر يحتاج إلى ترويج هذا التحذير اجتماعيا في الأسواق، والمحلات، وسيارات النقل، وفي كل حال
***
(المرتكز الثاني)
أن هذه السلبيات لها علاقة بأكل الحرام، والمال الحرام، وتفشي معاملة الحرام تبعد الإنسان عن الله تعالى، وتجعله من جند الشيطان، وتسهل عليه التطاول على الذات المقدسة، والحلف بالذات المقدسة زورا، وشهادة الزور من البهتان.
***
(المرتكز الثالث)
كان أئمتنا "عليهم السلام" يعظمون الذات الإلهية ويتنازلون عن حقوقهم كي لا يقسموا بالله تعالى، يصل الأمر إلى أن يقول الإمام السجاد "عليه السلام" (اِلـهي لَوْلاَ الْواجِبُ مِنْ قَبُولِ أَمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْري إِيّاكَ)
***
(المرتكز الرابع)
عندما يتلبس المجتمع مفاهيم واعتقادات باطلة، يحاصر العقيدة في كل ذات لتتمثل في مسألة الصلاة والصوم وأداء بعض الزيارات فقط، ليتحرك في جوانب أخرى غير مقبولة شرعا، وكأن التمسك بالصلاة يتيح لنا السلبيات، النظرية الإسلامية الأخلاقية لا تتجزأ.
***
(المرتكز الخامس)
على الإنسان أن يدرك التوبة قبل أن يصير القلب أسود، وتتحول المسائل الأخلاقية إلى عنصر غريب عليه، ويبدا التعامل مع واقع جديد عن عقيدته، ويعتقد أنه في عقيدته وهو غارق في الشبهات.
***
(المرتكز السادس)
الحد الأدنى من الأخلاق التي تستقيم بها المعاشرة مع الناس، الإكثار من قضية الأخلاق يعد من الأمور التي ينبغي السعي إليها، فلا توجد حالة من اللغو في التربية الإنسانية، كلها أشياء متكاملة، فالإمام السجاد سعى لتوجيه النفس الإنسانية في خدمة الإنسان أولا، والمجتمع.
***
(المرتكز السابع)
الغرائز من اختصاص القضايا التكوينية من صنع الله تبارك وتعالى، والدعاء يوظف الغرائز إلى السلوك الحسن
**
(المرتكز الثامن)
الراحة الحقيقية لا يجدها الإنسان إلا مع العبادة، وما لدينا من مشاكل ووضع متأزم لا يبرر لنا ذلك التنازل عنها، لا بد أن نبقى نتحدى ونقول هذه أخلاقنا التي وصلت إلينا من تلك البذرة الصالحة، وهذه القراءة الواعية كانت البنية الإبداعية لقراءة الدعاء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat