صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" ما المقصود بالازواج الثلاثة في سورة الواقعة (ح 3)؟
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قوله تعالى "أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ" (الواقعة 11) المقرب هو الذي له وجاهة عند شخص آخر مثلا مقرب عند الملك، وفي الآية يعني المقرب عند الله جل جلاله، ولا غرابة أن أهل البيت عليهم السلام الأكثر قربا لله تعالى والذي يتقرب اليهم يكون الأقرب الى الله عز وجل. "فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" (الواقعة 12) الجنة معناها البستان "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا" (الكهف 32) و جنة الآخرة بستان ليس كبستان الدنيا الصغير فانه كبير كبر الكرة الأرضية وفيه أنهار من خمر ولبن وعسل. "ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ" (الواقعة 13) الثلة يعني الجمع الكثير من الأولين. " وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ" (الواقعة 14) هؤلاء من السابقين الذين مصداقهم الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وخديجة والائمة والانبياء عليهم السلام. قال الامام الصادق عليه السلام (دخل أبي المسجد فإذا هو بأناس من شيعتنا، فدنا منهم فسلم عليهم، ثم قال لهم: أنتم شرط الله، وأنتم أعوان الله، وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون، وأنتم السابقون الآخرون، وأنتم السابقون إلى الجنة).
تكملة للحلقة السابقة من مصداق الأزواج الرجل والمرأة كما قال الله في محكم كتابه العزيز "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً" (الاحزاب 28)، و "عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ" ﴿الأحزاب 37﴾، و "وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ" (الانعام 139)، و "إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" (المؤمنون 6)، و "إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" (المعارج 30)، و "ادخُلُوا الجَنَّةَ أنتُم وَأزوَاجُكُم تُحبَرُونَ" (الزخرف 70)، و "وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا" ﴿الممتحنة 11﴾، و "رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ﴿غافر 8﴾، و "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ" (النور 6)، و "لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" ( الحجر 88)، و "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ" (الرعد 23)، و "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون" (الروم 21)، و "وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً" (النحل 72)، و "وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون" (الشعراء 166)، و "إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ" ﴿التغابن 14﴾، و "هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ" ﴿يس 56﴾.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الآيات (سورة الواقعة (56): الآيات 7 الى 14): "وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)" (الواقعة 7-14) التّفسير: و بعد بيان وقوع هذه الظاهرة العظيمة و الحشر الكبير يستعرض القرآن المجيد ذكر حالة الناس في ذلك اليوم، حيث قسّم الناس إلى ثلاثة أقسام بقول سبحانه: "وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً" (الواقعة 7) لفظ الزوج لا يقال دائما لجنس المؤنث و المذكّر، بل تطلق هذه اللفظة على الأمور المتقارنة مع بعض، و لكون أصناف الناس في القيامة و الحشر و النشر تكون متقارنة مع بعضها، لذا يطلق عليها لفظ أزواج. و حول القسم الأوّل يحدّثنا القرآن الكريم بقوله: "فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8). في تركيب هذه الجملة توجد احتمالات عديدة و أنسبها أن نقول: "أصحاب الميمنة" (الواقعة 8) مبتدأ، و "ما" استفهامية مبتدأ تان، و أصحاب الميمنة الثانية خبرها، و الخلاصة أنّ جملة "ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) خبر للمبتدأ الأوّل، و الفاء في بداية الجملة تفريعيّة و تفسيرية. المقصود من أصحاب الميمنة هم الأشخاص الذين يعطون صحيفة أعمالهم بأيديهم اليمنى، و هذا الأمر رمز لأهل النجاة، و دليل الأمان للمؤمنين و الصالحين في يوم القيامة، كما ذكر هذا مرارا في الآيات القرآنية. أو أنّ كلمة "ميمنة" من مادّة "يمن" التي أخذت من معنى السعادة، و على هذا التّفسير فإنّ القسم الأوّل هم طائفة السعداء و أهل الحبور و السرور. و بالنظر إلى أنّ الآية اللاحقة تعرّف المجموعة الثانية ب "أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ" (الواقعة 9) و التي هي مأخوذة من مادّة شؤم فإنّ التّفسير الأخير هو الأنسب. عبارة "ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) هو بيان حقيقة السعادة التي ليس لها حدّ و لا يمكن تصوّرها لهؤلاء المؤمنين، و هذه قمّة الروعة في الوصف لمثل هذه الحالات، و يمكن تشبيه ذلك بقولنا: فلان إنسان يا له من إنسان ثمّ يستعرض اللّه تعالى المجموعة الثانية بقوله: وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ حيث الشؤم و التعاسة، و استلام صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى التي هي رمز سوء عاقبتهم و عظيم جرمهم و جنايتهم، نتيجة عمى البصيرة و السقوط في وحل الضلال. و التعبير ب "ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) هو الآخر يعكس نهاية سوء حظّهم و شقاوتهم. و أخيرا يصف المجموعة الثالثة أيضا بقوله سبحانه: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ‌ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‌ (11)" (الواقعة 10-11). "السَّابِقُونَ‌" ليسوا الذين سبقوا غيرهم بالإيمان فحسب، بل في أعمال الخير و الأخلاق و الإخلاص، فهم أسوة و قدوة و قادة للناس، و لهذا السبب فهم من المقرّبين إلى الحضرة الإلهيّة. في تركيب هذه الآية و الآيات اللاحقة احتمالات عديدة: الأوّل: أنّ‌ السَّابِقُونَ‌ الأولى مبتدأ، و الثانية وصف أو تأكيد له، "أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‌" (الواقعة 11) مبتدأ و خبر و التي هي في المجموع خبر لكلمة "السَّابِقُونَ"‌ الاولى، و يحتمل البعض الآخر أنّ‌ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ‌ مبتدأ و خبر، و شبّه بشعر أبي النجم المعروف حين يقول: (أنا أبو النجم و شعري شعري) و الذي هو في الواقع نوع من الوصف العالي. و هناك احتمال آخر و هو أنّ السابقون الاولى هي بمعنى السابقين في الإيمان، و السابقون الثانية بمعنى السابقين إلى الجنّة و التي ستكون كذلك مبتدأ و خبر. و بناء على هذا، فما نرى من تفسير أسبقية السابقين بالسبق في طاعة اللّه، أو أداء الصلوات الخمس، أو الجهاد و الهجرة و التوبة فإنّ كلّ واحد من هذه التفاسير تمثّل جانبا من هذا المفهوم الواسع، و إلّا فإنّ هذه الكلمة "السَّابِقُونَ‌" تشمل جميع هذه الأعمال، و الطاعات و غيرها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/22



كتابة تعليق لموضوع : وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" ما المقصود بالازواج الثلاثة في سورة الواقعة (ح 3)؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net