تشير الإحصائيات الدولية إلى أن نسبة عمالة الأطفال في العراق تبلغ 4.9 بالمئة في الفئات العمرية الصغيرة من عمر 7- 17 سنوات، ويتركز عملهم في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بنسب عالية.
وفي محافظة الأنبار على وجه التحديد ظاهرة عمالة الأطفال زادت بشكل لافت مؤخرًا، ما أثار حفيظة منظمات إنسانية عراقية ودولية، ودفعها إلى المطالبة بتكثيف الجهود الرسمية وغير الرسمية لانتشال ضحايا تلك الظاهرة.
و يقول الباحث الاجتماعي عبد العزيز الجابري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انتشار عمالة الأطفال في الأنبار تمثل مشكلة اجتماعية واقتصادية خطيرة، فالأطفال في هذه المحافظة غالبا ما يلجؤون للعمل بسبب الفقر وفقدان المعيل، أو لعدم توفر فرص تعليم مناسبة، وهم يتعرضون لمخاطر صحية ونفسية تؤثر على تطورهم العقلي والجسدي”.
ويضيف الجابري، “قد يتعرض الأطفال لإصابات في العمل أو لأمراض بسبب البيئة غير الصحية، ثم أن العمل في سن مبكرة قد يؤدي إلى ضغوط نفسية، وقلق مستمر بسبب المسؤوليات التي تفوق أعمارهم”.
ويؤكد أن “الأطفال العاملين غالبا ما يتركون الدراسة أو يتغيبون عنها، ما يؤثر على فرصهم في المستقبل، ويمكن أن يؤدي العمل المبكر إلى انحرافات سلوكية نتيجة للاحتكاك مع بيئات غير مناسبة”.
وعن الحلول الممكنة التي تسهم في تلافي أخطار فقدان الأطفال لمستقبلهم، يوضح الباحث الاجتماعي، أنه “يجب توفير برامج دعم اجتماعي واقتصادي للأسر الفقيرة لتقليل الحاجة لعمل الأطفال، بالإضافة إلى تعليم جيد وبرامج مخصصة لتشجيع الأطفال العاملين إلى مقاعد الدراسة”.
ويطالب بـ”تفعيل القوانين التي تحظر عمالة الأطفال وتعزيز الرقابة على أماكن العمل، ونشر الوعي بين الأسر وأرباب العمل حول مخاطر عمالة الأطفال وأهمية التعليم”.
معنى الرجولة
من جانبه، يرى رئيس مركز “جذور” لتنمية وثقافة الأطفال، يوسف الندا، أن “عمالة الأطفال تتفرع إلى جوانب متعددة، منها الاجتماعية والمتمثلة بالعادات والتقاليد الخاطئة والأقوال الشائعة من الأسر والمجتمع، التي تقضي بأن يعمل الطفل وهو صغير، كي يدرك معنى الرجولة والاعتماد على نفسه في سن مبكر من عمره، وهي أساليب ومعاملات مغلوطة إلى حد بعيد”.
ويؤكد الندا، أن “الإهمال الحكومي وتجاهل تطبيق القوانين التي تحفظ للأطفال حقوقهم، وعدم متابعة المشروعات والبرامج التي تمنع تعرض الأطفال لأي أخطار صحية أو نفسية، أسهم في تفاقم أزمة العمالة في الأنبار بصورة متزايدة”.
ويتابع “أغلب الأطفال في سوق العمل يتعرضون للتحرش والمضايقات، ويتم استغلالهم بطرق غير قانونية وإنسانية، لذلك لابد من تفعيل الدور الرقابي لحماية الطفولة ومنع أي متاجرة في حقوقهم أو سلبها”.
يشار إلى أن قانون العمل العراقي حدّ من عمالة الأطفال، فهو وضع عقوبات جزائية في المادة 11 منه، إذ نصّ على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد المتعلقة بتشغيل الأطفال والتمييز والعمل القسري والتحرش الجنسي.
وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، قد كشف في 15 نيسان أبريل الماضي، عن احتلال العراق المرتبة الرابعة عربيًا في عمالة الأطفال، بعد كل من: اليمن أولا، والسودان ثانيًا، ومصر ثالثًا.
ظاهرة عالمية
الغراوي يشرح بالقول إن “عمالة الأطفال ظاهرة عالمية تبلغ أعلى نسبها في الدول المنخفضة الدخل، وهنا أكثر من 200 مليون طفل في العالم من أعمار 6 إلى 17 عاما يعملون في سوق العمل يمثل الذكور منهم نسبة 80 بالمئة”.
ويبين بالقول “بحسب منظمة الأمم المتحدة، فإن عمالة الأطفال تنتشر في القارة الأفريقية أكثر من غيرها، إذ يصل عدد الأطفال العاملين فيها إلى 72 مليون طفل، تتبعها قارة آسيا والمحيط الهادي بـ62 مليون طفل، ويتوزع 11 مليون طفل عامل بين الأمريكيتين، وهو ما يعادل 5 بالمئة من الأطفال في العالم، وفي أوروبا وآسيا الوسطى يعمل 4 بالمئة من الأطفال، وفي العالم العربي تصل نسبة عمالة الأطفال إلى 3 بالمئة”.
ويعزو أسباب ارتفاع معدلات عمالة الأطفال في العراق، إلى “الأوضاع الاقتصادية بسبب انخفاض دخل الأسرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر والصراعات التي عاشها العراق، والنزوح وارتفاع معدلات العنف الأسري ضد الأطفال، وضعف منظومة التشريعات القانونية والاستراتيجيات لحماية حقوق الطفل”.
وتشير تقارير إلى أن نحو مليون طفل عراقي في سنّ الدراسة هم في سوق العمل اليوم، وأن لدى 30 بالمئة من الأسر العراقية تقريبًا أطفالا يعملون في مجالات مختلفة، وتضيف أن هؤلاء الأطفال يعملون بأجر يومي، ما يشير إلى انخراطهم في وظائف مؤقتة ومنخفضة الأجر، بالإضافة إلى انخراطهم في الخدمة المنزلية وأعمال البناء.
وبحسب ناشطين فإن الأطفال يتورطون كذلك في أنشطة غير قانونية، من قبيل السرقة والتسول وجمع القمامة حتى بيع المخدرات، وفي إطار الأنشطة غير القانونية، تزج عصابات منظمة بفتيات في الملاهي الليلية، وتستغلهن في الدعارة والاتجار بالبشر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat