صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

اشارات الامام موسى الكاظم عليه السلام عن القرآن الكريم من سورة المائدة (ح 8)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عن شبكة المعارف الاسلامية الثقافية: وعن أبي إسحاق المدائني، قال: (كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال له: جعلت فداك، إن الله يقول: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْءَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاْءَرْضِ" (المائدة 33) فأي شيء الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه الأربع؟ فقال له أبو الحسن عليه‌السلام: أربع، فخذ أربعاً بأربع، إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقَتل قُتل، فإن قَتل وأخذ المال قُتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلاف، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يأخذ المال نفي من الأرض. فقال له الرجل: جعلت فداك، وما حدّ نفيه؟ قال: يُنفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى عليه بأنه منفي، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه، فإذا خرج من ذلك المصر إلى غيره، كتب إليهم بمثل ذلك، فيفعل به ذلك سنة، فإنه سيتوب من السنة وهو صاغر).

ان وصية الامام موسى الكاظم عليه السلام الى هشام بن الحكم تضمنت أداة النداء يا في عشرات العبارات: وَ يَجِبُ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَكُونَ كَالرَّاعِي لَا يَغْفُلُ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَ لَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِمْ. قال الله عز وجل "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ" (المائدة 49).

وكان الإمام الكاظم عليه السلام يدعو للأمن من شر من يخاف شره: (تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَتَحَصَّنْتُ بِذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ وَاسْتَعَنْتُ بِذِي الْكِبْرِيَاءِ وَالْمَلَكُوتِ مَوْلَايَ اسْتَسْلَمْتُ إِلَيْكَ فَلَا تُسَلِّمْنِي وَتَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ فَلَا تَخْذُلْنِي وَلَجَأْتُ إِلَى ظِلِّكَ الْبَسِيطِ فَلَا تَطْرَحْنِي أَنْتَ الطَّلَبُ وَإِلَيْكَ الْمَهْرَبُ تَعْلَمُ مَا أُخْفِيَ وَمَا أُعْلِنَ وَتَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ فَأَمْسِكْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيْدِي الظَّالِمِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَجْمَعِينَ وَاشْفِنِي وَعَافِنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ). قال الله تعالى "وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" ﴿المائدة 13﴾.

قال ابن حمدون في تذكرته: قال موسى بن جعفر عليه السلام: (وجدت علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربك ومفادها وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف. وثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة. وثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب. ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك، وهي أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنّبه). كلام الامام موسى بن جعفر عليه السلام ان على المؤمن ذكر نعمة الله كما جاء في الآية الكريمة "وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (المائدة 7).

جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: قال عليه السّلام: (يا هشام: لقد ذم اللّه الكثرة فقال: "وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" (الأنعام 116). و قال سبحانه أيضا: "وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ‌" (لقمان 25). استدل عليه السّلام بهاتين الآيتين على ذم أكثر الناس لأنهم قد حجبوا عن نفوسهم الحق، و توغلوا في الباطل، و غرقوا في الشهوات، إلا من رحمه اللّه منهم. ففي الآية الأولى: خاطب تعالى نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أراد به غيره، فإنه لو أطاع الجمهور من الناس و سار وفق أهواءهم و ميولهم لأضلوه عن دين اللّه و صرفوه عن الحق. و في الآية الثانية: دلت على أن أكثر الناس يقولون ما لا يعلمون، و انهم لا يؤمنون باللّه في قلوبهم، بل إنما يجري على ألسنتهم دون أن ينفذ إلى أعماق قلوبهم‌. ثم مدح القلّة فقال: "(يا هشام: قال تعالى: "وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ" (سبأ 13). و قال: "وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‌" (هود 40). و قال: "وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (الأنعام 37). و قال: "وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ‌" (المائدة 103). استدل عليه السّلام من خلال هذه الآيات الكريمة على مدحه قلة المؤمنين، و ندرة وجودهم، كما صرحت الأحاديث النبوية و الأخبار الواردة عن أهل البيت بذلك، فقد قال الإمام الصادق عليه السّلام: (المؤمنة أعز من المؤمن، و المؤمن أعز من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت الأحمر؟). و السبب في ندرة هذه الفئة من المؤمنين الصالحين يعود إلى أن الإيمان الحقيقي باللّه يعد من أعظم مراتب الكمال التي يصل إليها الإنسان. لكن الوصول إلى هذا الايمان يصطدم بموانع كثيرة تحول دون الوصول إليه مثل: التربية البيتية السيئة حيث يعتاد الفرد على الغش و الخداع و الكذب منذ الطفولة الأولى. إن التفاحة الفاسدة تفسد التفاح السليم، و الرفيق المنحط أخلاقيا و سلوكيا يفسد غيره من الرفاق الصالحين، لأن الانزلاق نحو الرذائل أسهل من الصعود نحو الفضائل، و المثل العليا و هناك حواجز كثيرة تؤدّي إلى حجب الإنسان عن خالقه، و تماديه في الاثم و الموبقات. "و قليل من عبادي الشكور" (سبأ 13) تعني صرف العبد جميع ما أنعم اللّه عليه فيما خلق لأجله. و هذه أعظم مرتبة لا تصدر إلا ممن عرف اللّه و اعتقد بأن جميع الخيرات و النعم صادرة منه سبحانه و تعالى. فيعمل بكل طاقته على تحصيل الخير و ردع نفسه عن الحرام و حينئذ يكون من الشاكرين، و الشكر للّه بهذا المعنى من المقامات العالية التي لا يتصف بها إلا القليل من عباد اللّه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/14



كتابة تعليق لموضوع : اشارات الامام موسى الكاظم عليه السلام عن القرآن الكريم من سورة المائدة (ح 8)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net